اختلف مشهد الحياة في وسط بيروت التجاري منذ مساء أول من أمس، اختفت الموسيقى وصخب الناس... صمت الشارع... صمتاً مهيباً... لم يسبق للوسط التجاري ان شهد مثله منذ سنوات. لم أعرف وسط بيروت القديم الا من خلال صور بالأبيض والأسود، ولا أذكر هذه المنطقة عندما كانت مدمرة بالكامل... عرفتها هكذا بالألوان... لكنها امس بدت خافتة، شاحبة كأنها شعرت بالمأساة التي ألمت بصانع ألوانها. أتواجد في شكل شبه يومي فيها بحكم العمل. شوارعها لم تخلُ يوماً من الصخب الذي ميزها عن سائر شوارع العاصمة. حتى في الأيام القليلة التي كانت تقفل في وجه روادها "لدواع امنية" ايام التظاهرات او الجلسات الاستثنائية والمصيرية للمجلس النيابي، كانت تعج بالرسميين ومواكبهم وسياراتهم ومرافقيهم، وبالتالي في كل مرة كان يفرض فيه الحظر الأمني على زوار الوسط التجاري كان الرئيس السابق في أرجائه. مساء أول من أمس وأمس انقلب المشهد. غاب الحريري فخلا الشارع. خلا الشارع معلناً الحداد على من اعاد اليه الحياة. غابت فجأة معالم الحياة التي كانت تعم الأرجاء، وتحولت الورود التي زيّنت المطاعم والمقاهي صباحاً تحضيراً الى سهرة عيد العشاق، الى ورود ذابلة انحنت امام هيبة الغياب، لتصبح غير صالحة الاّ للنثر فوق جثمان "الزبون" الشهيد. الاقفال العام جاء تلقائياً وان كرسته القرارات الرسمية، وذلك حزناً على فقدان زبون أساسي كان السبب في نمو الاعمال وازدهارها بعد سنوات الحرب والدمار. لن يرتشف الرئيس الحريري بعد اليوم القهوة في "البلاس دو ليتوال"، ولن يتناول عشاءه في "سكوزي"، ولن يستغرب السياح العرب وجود رئيس حكومة بين ابناء شعبه في مطعم واحد فيشهرون كاميرات هواتفهم لتصويره في واحد من المطاعم أو المقاهي التي اعتاد ارتيادها. تحول الوسط التجاري مكاناً موحشاً، فلا وجود لل valets parking ولا للسيارات المرصوصة على طرفي الشوارع حتى مواقف السيارات خالية... بقي الأحمر والاخضر والأصفر في اشارات السير تتوالى متلألئة حداداً على زجاج المحلات الذي تهاوى جراء شدّة الانفجار الذي اودى بموكب لن يقطع من امامها مرة اخرى. صمت وسط بيروت... بعد صوت لم تألفه أذناي وان سمعت الكثير عن مرارة العيش أيام كان مألوفاً. لا أثر إلا لأشخاص لا يتعدى عددهم أصابع اليد بمعظمهم رجال أمن، في حين اختفى الجميع، مواطنين وسيّاحاً، عرباً وأجانب... ووقفت المباني حرساً لشوارع مقفرة الا من بعض الآليات العسكرية التي سُيّرت "لكن... بعد فوات الأوان". ... وأمام رهبة السكون، تقف نادماً على يوم انزعجت فيه من الازدحام والصخب... صمت يشعرك بصوت عقارب الساعة الشهيرة امام مجلس النواب، تنظر الى تلك العقارب لتشعر بأنها نادمة بدورها لأنها استمرت بالدوران بعد أن جلس الرئيس الحريري خلف مقود سيارته... ورحل ...