إنها السابعة مساءً. نسرين تنتظر متوترة. يرنّ جرس الباب وإذا بها تزداد توتراً. نسرين تنتظر قدوم "العريس" الذي وعدتها به عمّتها. إنه، كما قالت لها، وسيم جداً، غنيّ، ابن عائلة مرموقة، ومتعلّم. ونسرين لم تكن تتوقع أن ترتبط بإنسان بهذه الطريقة... ولكن ما دام جيداً فلا مانع. دخل العريس يرافقه والداه. عائلة نسرين كلها في انتظاره. سلّم الشاب على نسرين المتفاجئة ب "وَسامة" العريس الذي كانت عمّتها وعدتها به. بدأ الحديث, ودخل والد الشاب في الموضوع مباشرةً من دون مقدّمات. وإذا بالعريس لا يحمل سوى شهادة البكالوريا. انتهى اللقاء وذهب العريس مع والديه طالباً موعداً آخر لم توافق نسرين على منحه إياه. واتجهت الى غرفتها. هي لم تقابل ذلك الشاب "الوسيم، المتعلم، ابن العائلة المرموقة" الذي كانت تتوقعه. وكانت هذه المرّة الأولى والأخيرة التي تقابل فيها شاباً يحمل هاجس الزواج، فيتجه مباشرةً نحو المنزل من دون أي مقدّمات مع صاحبة العلاقة. طرق الزواج التقليدية هذه تتنوع آراء الفتيات إزاءها بين الخوف من الصدمة لدى مقابلة الشاب، او عدم الرغبة في خوض هذه التجربة. رندا شابة متعلّمة وجميلة، يتهافت العرسان على باب منزلها ولكنها الى الآن لم تقبل أياً منهم. "كلّ من دخل المنزل كان ببساطة إما منعدم الشخصيّة، أو غير متعلّم"، وهي تذكر أنها في إحدى المرات، ولدى تواجدها في مقهى مع والدتها - تلك المقاهي المعروفة بجو ملائم لتدبير الزيجات - إذا برجل متقدّم في السن يتجه نحو والدتها ويسألها إن كانت ابنتهارندا مرتبطة. تجيب الوالدة بالنفي, فيخبرها ان ابنه معجب بها وطلب منها موعداً. توجه الوالد وابنه في اليوم التالي الى منزل رندا. تقول: "كان لا يملك الحد الأدنى من الشخصية. كلّما تكلّم سأل والده: "صح يا بابا؟". أما لانا فلم تكن تفكر بالزواج. فهي تهوى حياة الحرية, وتعتبر ان الزواج سيشكّل لا محالة رابطاً لها، يمنعها من ممارسة الكثير من النشاطات والعادات التي تحبها. و"لكنني احب خطيبي" تقول لانا عن الشاب الذي ارتبطت به. وتضيف: "كانت عائلتنا على علاقة وثيقة بعائلته لكنه لم يدخل المنزل من دون أن يخبرني. تكلم معي مسبقاً وسألني إن كنت على علاقة بأحد. أجبته أن لا، لأنني فعلاً لم أكن على علاقة بأحد، وهو أعجبني كثيراً وبدأت أفكر به كزوج وصديق. تغيرت فكرتي عن الزواج، خطيبي إنسان متحرر فكرياً ولا مانع لديه من ان أتكلم مع زملائي الذكور كما لا مانع لدي من أن يتحدث مع صديقاته". سمر تعتبر أن العلاقة المكشوفة مع الطرف الآخر خير من تلك المخفيّة، خصوصاً عن الأهل. إنها فتاة تعيش في جو محافظ ولا تستطيع أن تقابل أحداً براحة بال كما تقول. "تخبرني أمي أنني إن تعرفت الى احدهم، يجب ان أدعوه الى المنزل ليقابل العائلة، وبهذه الطريقة أعلم إن كان جاداً بعلاقته ام لا". الزواج ليس "واجباً" على المرء ان يقوم به في حياته قبل ان يفوته القطار... كما يدّعي بعضهم انه مؤسسة تتكامل بين شخصين، يودّان أن يكمّلا مشوار الحياة معاً بسرّائها وضرّائها. رومي ترفض فكرة الزواج المدبّر و"التقليدي" كما تطلق عليه."الفتاة ليست سلعة معروضة للبيع يحق للشابّ ان يتفرّج عليها، وإن لم تعجبه ليس ما يمنعه من التوجه الى صالة عرضٍ أخرى!"، كما تقول. وتضيف: "لو أراد المرء ان يشتري سيارة"مثلاً، لاتجه الى معرض سيارات... وإن لم تعجبه سيارة في ذلك المعرض سيتوجه الى معرض آخر... الفتاة في هذه الحالة كالسيارة! وسألني أحد الشبان عن الدخول الى المنزل مباشرة، من دون ان أكون على علاقة مسبقة به، ربما أقبل. ولكن سأعلمه بقيمة الفتاة لحظة دخوله المنزل. وأنا متأكدة انه لن يعيد الكرّة مع أي فتاة أخرى!". سلمى تؤيدها بالرأي، وتقول: "ان الشاب الذي تعرفينه قبل ان يكون مشروع الزواج وارداً على بال أحد، خير من ذاك الذي يتقدم مباشرة للزواج. فالأول، ستعرفينه على حقيقته بمحاسنه وعيوبه، اما الثاني فلن يتوانى عن إبراز محاسنه، هذا فضلاً عن المغريات التي سيقدّمها ليرغبك في الإرتباط به". ليال تعارض هذه الفكرة وتعتبر ان الشاب يحط من قيمة نفسه ويضع كرامته على كفه، عند دخوله الى منزل فتاة، طالباً التعرف إليها بغية مشروع الارتباط، من دون ان يكون على معرفةٍ مسبقة بها. وتقول: "ان الشاب عند دخوله الى منزلي يحترمني اكثر لأنه يأتي الي. لو رفضته ماذا سيكون موقفه؟ سيصاب حتماً بالحرج. أما انا فأبقى صاحبة القرار". ولكن ماذا لو حصل ولم يعجب الشاب بالفتاة التي دخل الى منزلها مباشرةً, فماذا سيكون موقفها؟ سعاد تتحدث عن تجربتها: "أنا لم أكن أعارض فكرة الزواج المدبر. ولكن بعد التجربة أحسست كم يحط من قدر المرأة. لقد حصل ان دخل احد الأشخاص الى منزلي راغباً في الزواج. وبعد الحديث معه لم يرغب حتى في طلب موعدٍ آخر. ما معناه انني لم أعجبه. علّه الآن وجد "بضاعة" ناسبة أكثر". أما رنا فتقول: "حتى ارتباطي كان بالواسطة!". وتضيف: "أحضر لي تلميذي يوماً هدية، واخبرني انها تعبير عن محبته لي. اتضح بعد فترة انها كانت من شقيقه الاكبر، الذي كان رآني في إحدى المرات عندما كان آتياً لاصطحاب شقيقه. بعد الهدية وصلتني رسالة، يطلب الأخ الأكبر من خلالها ان أعطيه موعداً للدخول الى المنزل ليطلب يدي مباشرةً! "وتمّ النصيب" تقول رنا. لا يقصّر الكثيرون بتوجيه المديح الى الفتاة اللبنانية، المتميزة بتحررها وعلمها وانفتاحها على مختلف الثقافات. ولكن لا يخلو المجتمع اللبناني على رغم كل هذه الحسنات من أنموذج الفتاة التقليدية المشتتة بين التحرر الشكلي حيناً والانفتاح الفكري أحياناً.