استطاعت شبكة الانترنت ان تكوّن مجموعات ضغط في سورية اصطلح على تسميتها ب"السلطة الخامسة", بعد الرابعة أي الصحافة. وكادت ان تحل محلها لولا سعي الاخيرة للحفاظ على ترتيبها في هرم السلطة بخروجها من قمقمها الذي حبست نفسها فيه لثلاثة عقود. وللنترنت الفضل في استعادة الصحافة لجزء من دورها في ممارسة النقد والرقابة على مواضع الخلل والتجاوزات المستشرية في الجهاز الحكومي السوري اذ اقحمتها في أجندة التطوير والتحديث بعد ان سبقتها اليها. وساهمت العرائض الالكترونية، التي يرعاها بعض قادة الرأي والمثقفين ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان، في بلورة الرأي العام تجاه بعض القضايا الملحة. والحال ان قدرة الشبكة العنكبوتية على المراوغة وإفلاتها من سيطرة اجهزة الرقابة زاد من رصيدها، ووفر لها مكانة مرموقة ومرهوبة الجانب، على رغم ان عدد مستخدميها الفعلي لا يصل الى 2 في المئة من عدد السكان في سورية. وفي بعض الاحيان، بدا ان الحكومة استجابت لبعض رغبات وطروحات "اللوبي" الالكتروني ما شجعه على مواصلة نهجه. موضة العرائض الالكترونية بداية، اكدت ٍلجان الدفاع عن الحريات الديموقراطية وحقوق الانسان"، التي تتألف من 12 حركة سياسية وثقافية اضافة الى لجان المجتمع المدني، على اهمية استخدام الانترنت في تكوين الرأي العام. وحاولت هذه اللجان جمع تواقيع ستة آلاف مشارك في حملتها التي تطالب السلطة في سورية برفع حال الطوارئ والاحكام العرفية المفروضة منذ العام 1963، على عريضة الكترونية حملها موقع "لجان إحياء المجتمع المدني في سورية" almowaten.org على الانترنت. واعتبر بعض الناشطين السوريين نشر العريضة عينها في احدى الجرائد السورية الخاصة مؤشراً على ان الحملة يمكن ان تعم لتشمل الجرائد الحكومية إثر انفتاحها في الآونة الاخيرة. وتفاءل هؤلاء بأن يؤدي ذلك الى تعديل بعض فقرات قانون الطوارئ في المؤتمر القطري لحزب "البعث" الحاكم المتوقع عقده في حزيران يونيو من العام المقبل. بعدئذ، راجت فكرة استخدام العرائض الالكترونية، نظراً لسهولة اجرائها، لمطالبة بعض المؤسسات الحكومية العدول عن بعض قراراتها. وسرعان ما اصبحت موضة تلجأ اليها الكثير من مواقع الانترنت السورية او المهتمة في الشأن السوري، وخصوصاً المواقع المناوئة للسلطة او المحسوبة على المعارضة. ولا تعدم تلك العرائض القدرة على التأثير في الرأي العام السوري بمحاولتها الخروج عن اعراف الثقافة السياسية الشمولية المألوفة التي حظرت الكثير من اشكال التعبير الحر وفرضت قانون المطبوعات لخدمة مراكز السلطة فأغفلت آراء الكثير من فئات الشعب. اختصاص في العرائض ويحاول "المنتدى الثقافي السوري" سيرينز على الانترنت للدكتور وليد قارصلي استمالة مستخدمي الانترنت للتصويت على عريضة تثني المؤسسة العامة للاتصالات السورية، المزودة لخدمة انترنت في سورية الى جانب الجمعية السورية للمعلوماتية، عن قرارها بفرض رسم شهري مقداره 4 آلاف ليرة سورية حوالى 80 دولاراً لقاء ميزة الاتصال بالصور المباشرة، والتي تقدم مجاناً من معظم مزودي الخدمة في العالم. واللافت في الامر لجوء المنتدى الى موقع اميركي، PetitionOnline متخصص في استضافة العرائض مجاناً بغية التصويت عليها بطريقة الكترونية. وربما اراد من وراء ذلك تعريف السوريين بهذا الموقع الذي يعد من اضخم المواقع العالمية في اختصاصه. ويعد مرجعاً دولياً للمنظمات الدولية وهيئات حقوق الانسان للاطلاع على الشكاوى التي يتضمنها. وبلغ عدد التواقيع في هذا الموقع حوالى 20 مليون توقيع لآلاف العرائض الالكترونية السريعة حول العالم، وبمختلف اللغات بما فيها العربية، مع ان القضايا العربية الخلافية تصاغ باللغة الانكليزية مستهدفة الاجانب او جاليات الاغتراب العربية من الجيل الثاني. وعادة ما توجه العرائض الى هيئات دولية مثل الأممالمتحدة او الى قادة عالميين فاعلين او الى برلمانات دول او حتى الى شخصيات او منظمات اعتبارية، وبالتالي، فهي لا تمتلك الصفة القانونية الالزامية للأخذ بها او الرد عليها مهما بلغ عدد الموقعين على الاعتراض. وحظيت القضايا العربية بحصة قليلة من العرائض مقارنة ببقية المناطق الجغرافية. وبرزت الخلافات بين الانظمة العربية على صفحات العرائض او بين الحكومات وأحزاب المعارضة في كل دولة، في حين ركزت العرائض الاجنبية على المسائل التي تحقق وحدة اوطانها ورفاه شعوبها.