السباق بين السلطات السورية و"المعارضين" على أمواج "العالم الافتراضي" يطرح تساؤلات أولها: جدوى التعاطي بعقلية قديمة مع تقنية جديدة تزداد انتشاراً في "العالم الواقعي"؟ بدأت "القصة" قبل نحو عشر سنين، عندما أخذت "الجمعية السورية للمعلوماتية" برئاسة الدكتور بشار الأسد على عاتقها نشر "الثقافة المعلوماتية" في سورية، واقناع الموالين والمعارضين لها بأنها سلاح ذو حدين لا يمكن تجاهله، بل لا بد من الاستعداد له بالفكر والممارسة، والتكيف مع "العولمة المعلوماتية"، مع مراعاة الخصوصية الوطنية. لتحقيق ذلك عقدت "الجمعية" مؤتمرات دولية ونظمت معارض، وسهلت استيراد أجهزة الكومبيوتر وتصنيعها وتجميعها في البلاد، وادخلت مادة "المعلوماتية" الكومبيوتر الى الجامعات والمدارس... وصولاً الى اقامة شبكة للبريد الالكتروني ومخدمين للانترنت: احدهما تابع ل"المؤسسة العامة للاتصالات السلكية واللاسلكية" الحكومية، الثاني ل"الجمعية"، بالتزامن مع رفع البنية التحتية للهواتف القادرة على الوصل بالانترنت. وبحسب الاحصاءات الرسمية هناك في البلاد 155 ألف مشترك و775 ألف مستفيد، على أساس ان كل حساب يستفيد منه خمسة على الأقل، سواء في المنازل أو في أكثر من 500 مقهى انترنت منتشرة في الأراضي السورية. وهناك خطة لاقامة بنية تحتية قادرة على وضع الخدمة في متناول مليون مشترك من ال18 مليون سوري. عملياً، صار بإمكان أي شخص أن يبحر في هذا العالم، بمجرد توافر جهاز كومبيوتر وخط هاتفي، وهو ما تأمن في القرى النائية شمال البلاد وشرقها. ولمن لا يستطيع فإن "صندوق تنمية الريف" فردوس يذهب اليه محملاً بأجهزة الكومبيوتر والانترنت. ويتوافر طبق استقبال فضائي يعني ان المسافة قصرت مع العالم الخارجي الافتراضي، وزادت بينه وبين غير المنتمي إليه من "العالم الواقعي". وعلى رغم الرقابة المفروضة على الانترنت، سواء بحجب المواقع الاباحية أو السياسية عبر منع الوصول الى كلمات معينة مثل "اسرائيل" واردة في موقع معين، ومنع مواقع "المعارضين" على قلتها في الخارج، أو مواقع البريد الحر مثل "هوت ميل" لصعوبة مراقبتها، فإن آثار السباحة في هذه العوالم صارت واضحة في تغيير عادات سياسية واجتماعية في العالم السوري، كغيره من العوالم الأخرى القريبة. وإذا كان الأثر الاجتماعي اقتصر شكلياً على مدى انتشار الموضة في الشوارع السورية، بما في ذلك الريف النائي، فإن البعد السياسي أكثر وضوحاً: البيانات التي كان يجول "معارضون" على المقاهي التقليدية لجمع تواقيع عليها، باتت "تجول" عبر الانترنت والبريد الالكتروني... افتراضياً واقعياً. بل ان بعضهم أقام مواقع الكترونية لنشر المعلومات، سواء عبر موقع "ياهو" أو عبر البريد الحكومي، ولعل أبرزها "البومة" الذي ينشط فيه الممثل فارس الحلو و"سيرينز" للدكتور وليد قارصلي و"النشرة" للمهندس أيمن عبدالنور التي تصل الى حوالى 11600 شخص في دائرتين. ولا تقتصر خدماتها على تقديم الأخبار، وما ينشر عن سورية في الصحف الخارجية، بل صارت بمثابة مصدر للمعلومات والاشاعات. ومع كل صباح يتم تداول "كلمة سر" جديدة، هي اسم موقع جديد قادر على "اختراق" بوابتي موقعي "الجمعية" و"المؤسسة" لتحقيق الوصول الى المواقع الممنوعة. ما يعني ان المهمة صارت أكثر تعقيداً وحاجة الى تعاط جديد مع هذا الواقع الجديد. اذ كيف يمكن تفسير منع عدد لصحيفة ما توزع ألفي نسخة في السوق السورية في وقت يستطيع 775 ألف سوري الوصول الى موقعها الالكتروني؟ ألم يحن الوقت لمعاودة النظر في قانون مرسوم المطبوعات الصادر قبل سنتين، كي يتناول "النشر الالكتروني"؟