بات جمهور الانترنت في سورية منفتحاً أكثر على متابعة ما يجري في الداخل من أحداث وتحركات ومواقف سياسية وربما أكثر قدرة على التنبؤ بالاستحقاقات المرتقبة والمؤملة في المرحلة المقبلة. ويعود ذلك جزئياً الى متابعته ما تنشره بعض المصادر الرسمية وغير الرسمية في مواقعها على الشبكة الالكترونية. وهذا ما يؤكد الطابع النخبوي الذي تكتسبه الانترنت، على اعتبار ان دعاوى الإصلاح التي اكتسبت زخماً في الفترة الأخيرة، والتي تجاهلتها وسائل الإعلام الرسمية، نخبوية أيضاً، ولا تتدخل القواعد الشعبية في صوغ أفقها وتحديد ملامحها المستقبلية. وغضت الرقابة الطرف عن انتهاج بعض المواقع غير الرسمية على الانترنت أسلوب "الثرثرة والاشاعات" وسيلة لنشر الأخبار والتقارير السياسية. وسمحت لمواقع جهات معارضة في الداخل بالإطلالة على جمهورها من دون فرض "فيتو" الحجب، في حين أخفت مواقع أقل شأناً وتأثيراً منها عن كومبيوترات المستخدمين السوريين، ويمكن تفسير هذا الأمر بالحساسية العالية ازاء أي ضغوط خارجية مهما كان مصدرها. ولم يخف بعضهم تفاؤله ببزوع نجم الانترنت، معتبرين أنه خطف الأضواء من الإعلام الرسمي و"اخترق" منظومته "العقائدية" من جهة وحسّن التفاهم بين طرفي العملية بعرض رأي الآخر من جهة أخرى. احتجاجات الكترونية سريعة وجد منظمو حركات الاحتجاج في الانترنت وسيلة إخبار ناجعة في ايصال رسائلهم الى جمهورهم بأقصى سرعة وبأقل تكلفة ممكنة. وفي المقابل فضّل القيّمون على وسائل الإعلام أن يطلع المثقفون والصفوة على تقارير وتحليلات سياسية من مصادر داخلية، بدل الاعتماد على مصادر وكالات الأنباء والمراسلين الأجانب. ولجأت "لجان الدفاع عن الحريات الديموقراطية وحقوق الإنسان"، التي تتألف من 12 حركة سياسية وثقافية ومن المجتمع المدني، الى الانترنت لجمع نحو ستة آلاف توقيع على عريضة تطالب السلطات السورية برفع حال الطوارئ والأحكام العرفية المطبقة منذ 1963. وكرَّس موقع almowaten.org الذي تديره "لجان إحياء المجتمع المدني في سورية" نفسه للترويج لمثل هذه البيانات وابداء الرأي حيالها. وتجاهلت السلطات السورية المعنية فرض أي حظر على هذا الموقع كبادرة حسن نية اتجاه الاصلاحات السياسية الموعودة، على رغم ما يحتويه من نقد لاذع للأوضاع "المتردية" وتسليطه الضوء على مواضع الخلل في شتى المجالات بقلم ناشطين سوريين خصّوا الموقع بكتاباتهم أو من خلال مواد منشورة في الصحف العربية. ويلحظ ازدياد وتيرة الإقبال على تصفح الموقع الذي يركز على اخبار "الانتهاكات" و"الاعتقالات" ونشاط حركة تبادل الرسائل الالكترونية منه واليه. وحاد قسم الأخبار والإعلام في موقع "المركز الاقتصادي السوري" Seczn.com، الذي يرعاه برنامج تنمية الصادرات السورية، عن السياسة التي يتبعها الإعلام الرسمي السوري. واهتم بنشر جملة من المواضيع التي تعدّ بمثابة "خطوط حمر" مثل خبر الإفراج عن نشطاء سوريين لحقوق الإنسان وآخر يقول: "هل يطلب لبنان سراً انسحاب سورية قبل أن تطلبه علناً الولايات المتحدة؟". كما نشر تحليلين سياسيين حول "جديد المشهد السياسي السوري: من البيانات الى الاعتصامات"، وآخر مترجماً يحمل عنوان "ما وراء اطلاق ال130 سجيناً سياسياً في سورية"، وهي مواضيع بعيدة كل البعد عن اهتمام وسائل الإعلام الرسمية التقليدية.