مع اقتراب بدء مفاوضات الإمارات مع الولاياتالمتحدة الأميركية حول إقامة منطقة تجارة حرة بينهما، تصاعد الجدل بين الفعاليات الاقتصادية في الدولة حول جدوى هذا الاتفاق، واحتمال أن يتعارض مع التزامات الامارات ضمن الوحدة الاقتصادية الخليجية. فالإمارات في رأي الخبراء، تحمل "إرثاً" تاريخياً تسعى جاهدة الى الحفاظ عليه، كونها من اكبر المساهمين في إنشاء مجلس التعاون الخليجي في أبو ظبي عام 1981 ضمن مشروع وحدة اقتصادية وسياسية برعاية رئيسها الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي يحتل مكانة خاصة ومتميزة في قلوب المسؤولين والمواطنين. ولا تنكر الفعاليات الاقتصادية أهمية إقامة منطقة تجارة حرة مع اكبر دولة في العالم، خصوصاً أنها هي الأخرى تأتي في إطار "الاستراتيجية" التي رسمها الشيخ زايد، وهي الانفتاح على العالم الخارجي وتنويع الاقتصاد. لكن المعضلة الرئيسة هي كيفية "إخراج" اتفاق يضمن المصالح الاقتصادية للدولة، وفي الوقت نفسه يأتي ضمن إطار سياسي واقتصادي لا يزعزع "الثوابت" التي ترتكز عليها اتفاقات مجلس التعاون سواء المبرمة بالفعل، أو التي يجري التفاوض في شأنها. "الإمارات سعت دوماً إلى المحافظة على الثوابت، وتأخذ في الاعتبار مصلحة دول مجلس التعاون في كل خطوة تخطوها، ولكن في الوقت نفسه لا بد من أن تحافظ على مصالحها الاقتصادية"، كما قال عضو مجلس الإدارة في غرفة تجارة وصناعة دبي هشام الشيراوي. ويجادل بعضهم بأن مطالب الولاياتالمتحدة تحمل في طياتها استحقاقات كثيرة "غير متوازنة"، كما وصفها شيراوي الذي أشار إلى انه "في وقت تسعى أميركا إلى توقيع اتفاقات مع عدد من التكتلات الاقتصادية الأخرى، فإنها رفضت وترفض أن تنحى هذا المنحى مع دول مجلس التعاون الخليجي، وتفضل أن تتفاوض مع كل دولة على حدة". وينص الاتفاق الاقتصادي لدول المجلس على أن "تقوم الدول الأعضاء برسم سياساتها وعلاقاتها الاقتصادية بصفة جماعية تجاه الدول والتكتلات والتجمعات الإقليمية الأخرى والهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية". ويقول الشيراوي انه ينبغي "اتباع استراتيجية تفاوضية بصفة جماعية تدعم المركز التفاوضي لدول المجلس، وتوحيد سياسات التبادل التجاري مع العالم الخارجي". ولاحظ انه "في وقت تطلب واشنطن من الإمارات إعفاء البضائع الأميركية من الرسوم الجمركية، تفرض ضرائب على استثمارات الإماراتيين في الولاياتالمتحدة. وهي تطالب بذلك مع علمها بأن الإمارات ملتزمة مع محيطها الخليجي باتفاق جمركي يحدد رسوماً على البضائع التي تدخل المنطقة، وهي خمسة في المئة من قيمة البضاعة". ووقعت دول المجلس اتفاق الاتحاد الجمركي الخليجي مطلع عام 2003، واعتبره الاتحاد الأوروبي من الخطوات المهمة التي من شأنها أن تسرّع في إقامة منطقة تجارة حرة بين دول المجلس وأوروبا، وهو الاتفاق الذي طال أمده لاكثر من عقد من الزمن. وتطالب الولاياتالمتحدةالإمارات أيضاً بأن تعامل الأميركي معاملة الإماراتي، وهو ما تقوم به الدولة بالفعل من خلال المناطق الحرة. لكن طلب المزيد، في رأي الشيراوي، مثل إلغاء "الوكلات التجارية" وتغيير قانون العمل وفتح الكثير من القطاعات، "يعني أنها تريد تهميش الإماراتي في بلده، وهي التي تعلم انه يعاني مشكلة التركيبة السكانية". وتشير اكثر الدراسات تحفظاً إلى أن المواطنين يشكلون 15 في المئة فقط من اجمالي عدد السكان في الإمارات التي تحتضن اكثر من 130 جنسية. ويشكل الوافدون من شبه القارة الهندية نحو 60 في المئة من عدد السكان. ولكن يجادل آخرون بأن التغيير آتٍ لا محالة، سواء في إطار منظمة التجارة العالمية أو اتفاق إقامة منطقة تجارة حرة بين دول الخليج والاتحاد الأوروبي. ويرون أن توقيع الدول الخليجية على اتفاقات منفردة مع أميركا يجب ألا يشكل تهديداً لمجلس التعاون الخليجي، "لأن هذه الدول اتفقت ضمناً على الدخول في مفاوضات إقامة منطقة تجارة حرة مع الولاياتالمتحدة"، على حد تعبير الخبير الاقتصادي والمحلل السياسي عبد الخالق عبد الله. ويضيف: "الجميع في النهاية سيوقعون اتفاقات شبيهة، مع بعض الامتيازات هنا وهناك، بما فيها السعودية التي لا بد من ان توقع على اتفاق منظمة التجارة العالمية، ومن ثم تتفاوض لاقامة منطقة تجارة حرة مع أميركا". وعلى رغم الجدل، غير أن كل من تحدثت إليهم "الحياة" اجمعوا على أن الإمارات تبدأ مفاوضاتها مع الولاياتالمتحدة من "موقف قوي" كونها ثاني اكبر اقتصاد خليجي، وهذا يمكنها من الحصول على امتيازات لم تحصل عليها البحرين التي سبقتها إلى التوقيع. وتبدأ كل من الإمارات وعُمان مفاوضاتهما مع أميركا مطلع الشهر المقبل، ويتوقع أن تلحق بهما بقية دول الخليج ما عدا المملكة العربية السعودية. ولم يخف بعض دول الخليج انتقاداته للاتفاق الذي وقعته البحرين، لتضمنه بنوداً تتعارض مع الاتفاق الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي، مثل إعفاء معظم البضائع الأميركية من الرسوم الجمركية. وأكدت مصادر رسمية ل"الحياة": "إن الإمارات مدركة لتحفظات بعض دول الخليج، وهي لن تقدم على ما قد يعرقل وحدة الصف الخليجي، ولن تتنازل عن ما تشعر انه يضر في مصلحتها القومية". ولاحظ عبد الخالق عبدالله "أن موقف الإمارات التفاوضي أقوى من البحرين كونها تحتضن الكثير من الاستثمارات الأميركية، وهو ما يمكنها من انتزاع امتيازات لم تحصل عليها البحرين، كما يمكنها من التحكم في الإطار الزمني للتفاوض"، في إشارة إلى أن الولاياتالمتحدة تستعجل التوقيع على الاتفاق. وتشير الإحصاءات إلى أن حجم التبادل التجاري بين الإمارات وأميركا تجاوز 5.5 بليون دولار عام 2004، نحو 3.9 بليون منها صادرات أميركية إلى الإمارات. في رأي الخبراء، تسير الإمارات إلى مفاوضاتها مع أميركا وهي تحمل على عاتقها، أمرين: الحفاظ على "ثوابت" مجلس التعاون الخليجي، واطالة الإطار الزمني للتفاوض حتى تضمن أن بيتها الداخلي ومحيطها الخليجي جاهزان للانفتاح الكامل على "العولمة". ولكن هذه الدولة الخليجية تعلم أن الجدول الزمني له نهاية، خصوصاً أنها ملتزمة مع كتل وتجمعات اقتصادية أخرى.