أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش، في خطاب له في وزارة الطاقة الاثنين الماضي، أنه يتوجب على المستهلك الأميركي أن يخفض درجة الحرارة في بيته وان يقلص من استهلاك البنزين، من خلال مشاركته زملاءه السيارة للذهاب الى العمل والعودة منه كل يوم، وذلك للمساعدة في تقليص الاستهلاك ومنع الأسعار من الارتفاع. ويأتي تصريح الرئيس الأميركي على رغم تأكيدات وسائل الإعلام قبل أسبوعين أن إعصار ريتا لم يضرب المنشآت النفطية ولم يخلف الدمار الذي تركه إعصار كاترينا. في الحقيقة، ونتيجة لما تركه هذان الإعصاران في حينه واليوم وحتى إشعار آخر، بدأت تتضح أكثر واكثر، ملامح الأزمة النفطية العالمية المحتملة في الأشهر المقبلة، وخصوصاً في فصل الشتاء القادم. استطاعت الدول الصناعية الغربية، بقيادة الولاياتالمتحدة، من خلال ما تم توفيره من قبل الأقطار الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية من نفوط خام ومنتجات بترولية، وضع سقف لارتفاع الأسعار بعد الدمار الذي خلفه إعصار كاترينا. واستطاع هذا التدخل لجم الأسعار في الأسبوع الماضي ووضع سقفٍ لها على مستوى 66 دولاراً للبرميل. وأقفل سعر النفط الأميركي الخفيف في نهاية تعاملات نيويورك مساء الجمعة على 66.24 دولار. إلا أن حقيقة الأمر هي أن المشكلة مؤجلة، وليست منتهية. والخوف المهيمن على الأسواق هو من فداحة أي حادث أو عارض طارئ مستقبلي قد يعصف بالصناعة النفطية في الشهور الستة القادمة، أي حتى بدء فصل الربيع القادم. ولب المشكلة هو النقص الهائل في المنتوجات البترولية بسبب إعصاري كاترينا وريتا، وفقدان الكميات الهائلة من الغاز الطبيعي من خليج المكسيك التي لا يمكن استبدالها، ومن ثم عدم توافر الوسائل والإمكانات اللازمة للولايات المتحدة وبقية أعضاء وكالة الطاقة الدولية أو حتى دول أوبك لإنقاذ الموقف كما كان الوضع بعد إعصار كاترينا. تباطؤ عملية إصلاح الأضرار وأعلنت إدارة خدمة المناجم الحكومية في واشنطن يوم الخميس الماضي أن 98.59 في المئة من الطاقة الإنتاجية النفطية في خليج المكسيك، أو 1.479 مليون برميل يومياً من النفط الخام لا تزال متوقفة، وان 79.79 في المئة من الطاقة الإنتاجية الغازية، أو 7.979 بليون قدم مكعبة يومياً من الغاز الطبيعي لا يمكن إنتاجها حتى الآن، وأن 2.15 مليون برميل يومياً من الطاقة التكريرية لا تزال متوقفة نتيجة الإعصارين، وإن"ما لا يقل عن 15 في المئة من الطاقة التكريرية الأميركية ستبقى مغلقة لمدة أسبوعين". وأن الأضرار التي لحقت بأنابيب النفط من الحقول العميقة إلى الساحل"يحتمل أن تكون قد تضررت أكثر مما كان متصوراً". ولخصت إدارة معلومات الطاقة التابعة لوزارة الطاقة الأميركية الصورة كالآتي في تقريرها الأسبوعي الأخير:"يتمثل الوضع الحرج الآن في سرعة عودة المصافي المغلقة إلى العمل خلال الأسابيع المقبلة. فكلما بقيت هذه المصافي مقفلة، سيكون الوضع حرجاً، وخصوصاً مع قدوم فصل الشتاء في الشهور القليلة المقبلة". والذي لم تقله الإدارة الحكومية هو أن طاقة المصافي المغلقة هي أكثر من طاقة تكرير أي دولة أوروبية. والمعضلة الكبرى التي تواجه تشغيل المصافي هي إعادة وصل الطاقة الكهربائية بها. فقد أدى إعصار ريتا وحده إلى تعطيل 301 خط لإيصال الكهرباء و300 محطة كهرباء فرعية، إضافة إلى 14 وحدة لتوليد الكهرباء. ويفيد المسؤولون عن إصلاح الكهرباء أنهم يحتاجون الى ما بين شهر وشهرين لإعادة الأمور إلى نصابها. فهم يعانون من نقص كبير في عدد الموظفين الذي اضطروا إلى النزوح عن بيوتهم مع عائلاتهم كبقية السكان في المناطق المنكوبة، وإلى قلة عدد الطائرات المروحية اللازمة لنقلهم إلى المنصات البحرية، ناهيك عن المعدات والآلات لاستبدال ما تم عطبه وتدميره. إن المشكلة الكبرى التي ستواجه الصناعة النفطية الأميركية هي العجز في إمدادات المنتجات البترولية، على رغم ما وُفِّر من دول وكالة الطاقة الدولية وأوبك، وعلى رغم الخفض المتوقع في الطلب. فقد خسرت الولاياتالمتحدة منذ إعصار ريتا، على رغم كل ما تم نشره في وسائل الإعلام عن تفادي الإعصار للمنشآت النفطية، نحو 50 مليون برميل من المنتوجات البترولية. وهذا يعني فقدان ما مجموعه 150 مليون برميل من المنتوجات البترولية منذ نهاية شهر آب أغسطس عند بداية إعصار كاترينا. ومن الصعب جداً تعويض هذه الخسائر، وخصوصاً مع الميزان العالمي الدقيق والحرج للعرض والطلب على هذه المنتوجات. هذا يعني أن أسعار البنزين ووقود التدفئة ستتذبذب في المستقبل المنظور. والعامل الأساسي في إيقاف هذا الارتفاع المتوقع هو تقليص الطلب. وتقدر الحكومة الأميركية ان أسعار وقود التدفئة والغاز الطبيعي سترتفع في فصل الشتاء المقبل نحو 50 في المئة عن مستواها في الوقت نفسه من العام الماضي. وقال وكيل وزير الطاقة الأميركي ديفيد غارمن"نعتقد بأنه يتوجب على المستهلكين أن يعرفوا هذا الأمر حتى يتخذوا الخطوات اللازمة منذ الآن". وإذا كان من المتوقع ارتفاع الأسعار إلى هذه المستويات في الولاياتالمتحدة، فيجب توقع ارتفاعها إلى مستويات عالية على الصعيد العالمي ايضاً، نظراً لأهمية الولاياتالمتحدة وموقعها في الصناعة النفطية العالمية والاقتصاد الدولي.