يعقد الاجتماع الوزاري الاستثنائي لمنظمة أوبك غداً الاثنين في فيينا، في ظل أسوأ كارثة طبيعية في تاريخ الولاياتالمتحدة أدت إلى نشوب أصعب أزمة في تاريخ الصناعة النفطية العالمية. وهذا يعني بالطبع أن أسعار النفط ستحافظ على مستوياتها العالية، إلا إذا حصل انكماش في الاقتصاد العالمي نتيجة خفض الطلب على المواد الاستهلاكية، كما بدأت تدل على ذلك بعض المؤشرات الاقتصادية. وأقفل سعر النفط الأميركي الخفيف في سوق نيويورك عند انتهاء التعاملات مساء الجمعة على 63 دولاراً للبرميل الواحد. قبل اعصار كاترينا، كان ميزان العرض والطلب دقيقاً، وكانت السوق في الاشهر الماضية تشهد زيادة سريعة وغير مسبوقة في الأسعار. أما الآن، وبعد الدمار الذي خلفه الإعصار، فإن الوضع حرج، في ضوء النقص الملحوظ في المنتوجات البترولية. وتسود السوق العالمية مخاوف تعود الى اربعة عوامل تتمثل بحدوث كارثة طبيعية اخرى، أو حصول موجة برد قارسة، أو عطل كبير في إحدى المصافي الأميركية، أو اضطرابات سياسية في إحدى الدول المنتجة. اذ سيصعب على النظام النفطي العالمي التعامل مع أزمة ثانية وفي ظل الدمار الذي أحدثه كاترينا ولا يزال من دون اعادة اعمار. وهذا يعني ارتفاع الأسعار الى مستويات قياسية جديدة، إلا إذا بدأ الاقتصاد العالمي في الانكماش نتيجة أسعار الطاقة العالية. وقد بدأت تبرز بعض المؤشرات الاقتصادية، وتحديداً في الولاياتالمتحدة، الى تراجع ثقة المستهلك في الاقتصاد واحتمال تأثير ذلك في مجمل الأداء الاقتصادي. ما هي عناصر الأزمة الحالية؟ لقد عطل إعصار كاترينا سلسلة متكاملة من مرافق الصناعة النفطية الأميركية، بدءاً من منصات الإنتاج النفطية البحرية ووحدات معالجة الغاز ومنظومة الأنابيب، ووصولاً الى مجموعة مهمة من المصافي. فالخراب كبير ويتطلب تصليح الاضرار الكثير من الوقت، قد يستغرق أسابيع وأشهراً. وتكمن أهمية المشكلة في، أمرين، الاول يتمثل بان الدمار حصل في وقت كانت حركة العرض والطلب على النفط الخام تشهد توازناً دقيقاً، ولكن ليس في امدادات النفط الخام. لذا، فإن الخراب الذي سببه الإعصار في اربع مصافي رئيسة في ولاية لويزيانا التي تنتج 900 ألف برميل يوميا،ً وتأخر عودتها إلى الأسواق اشهراً سيترك أثره على الأسعار. اما الامر الثاني فيتمثل بالمخاوف من حصول أي أزمة أخرى في هذه الفترة الحرجة، لأن ذلك يعني عدم قدرة الصناعة النفطية العالمية على التكيف معها بسهولة. وتدفع هذه المخاوف المضاربين إلى زيادة الأسعار المستقبلية وجني الارباح الطائلة. خيارات أوبك في الحقيقة، لا يمكن وزراء أوبك اتخاذ الاجراءات اللازمة الآن، اذ معظم دول أوبك، ما عدا السعودية، ينتج بطاقته الكاملة منذ بداية 2004. كما ان الطاقة التكريرية المتوافرة لدى الدول الاعضاء محدودة، ولا تستطيع تقديم الكميات الاضافية من المنتوجات للسوق الأميركية. فالمساعدات التي تبرّع بها بعض أقطار المنظمة، وتحديداً المحروقات، تأمنت من طريق تحويل بعض المبيعات من آسيا الى الولاياتالمتحدة، أو بشرائها من السوق الآسيوية وتحويلها إلى السوق الأميركية. وهذه العمليات، كما هو معروف، لا تضيف شيئاً جديداً ملموساً إلى سوق المحروقات العالمية، وهي تثير المخاوف من ان تسبب في زيادة أسعار المنتوجات في آسيا وربما في بقية دول العالم. أما في ما يخص موضوع زيادة الإنتاج، فهو تحصيل حاصل، ويعد بالفعل خطوة سياسية وإعلامية في الوقت الحاضر، أكثر منه خطوة صناعية. فالمشكلة لا تكمن في زيادة إمدادات النفط الخام. والدليل الى ذلك أنه على رغم استعداد بعض الدول المنتجة زيادة المبيعات، إلا أن الشركات عموماً، لم تبدِ رغبتها في شراء كميات نفط اضافية. وحصل الامر نفسه مع المخزون الاستراتيجي الأميركي. اذ على رغم دعوة الحكومة الأميركية شركات النفط الى السحب من المخزون، إلا ان الكميات التي سُحبت بقيت محدودة جداً. وهو أمر غير مستغرب. فالمصافي الأميركية تعمل منذ اكثر من عامين بطاقة تصل الى نحو 95 في المئة. وبعد اقفال أربع مصافي تكرير في ولاية لويزيانا بسبب الاعصار، لم تعد هناك فائدة من شراء نفط خام اضافي في ظل عدم توافر المصافي الكافية لتكريره. ما يمكن ان تقوم به دول أوبك، هو المثابرة على زيادة الطاقة الإنتاجية في الفترة المقبلة، وزيادة الاستثمار في المصافي في الدول الصناعية. وهذا الأمر يحصل فعلاً في الوقت الحاضر، ولكن في شكل محدود، بسبب الصعوبات والقيود التي تفرضها الدول الصناعية نفسها أمام توسيع الطاقة التكريرية، وهي تمثل عنق الزجاجة في صناعة النفط العالمية اليوم، وتشكل السبب الرئيس وراء ارتفاع الأسعار. وأخيراً، يتوجب على الدول الصناعية ولا سيما الاوروبية منها ان تغير سياستها المتحيزة ضد النفط من خلال الضرائب الباهظة التي تفرضها على المنتوجات البترولية. لقد خدمت هذه الضرائب هدفها الأساسي في تطويرها إلى مصدر اساس للدخل المالي للعديد من حكومات الدول الصناعية. إلا أن هذه الضرائب أخفقت في تقليص استهلاك النفط، وكانت السبب الرئيس في الأزمة الحالية. فهذه الضرائب رفعت أسعار المنتوجات البترولية من دون إيجاد البدائل الطاقوية اللازمة، وبأسعار معقولة.