كنت في ندوة عن الانسحاب من غزة، ضمن برنامج المؤتمر السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، وسمعت وزراء اسرائيليين وأخانا ياسر عبد ربه وآخرين يبدون آراءهم عندما طلب الكلام يوسي فاردي. وهو قال بصوت عال انه يتكلم باسم ألوف الاسرائيليين، أو مئات الألوف منهم. وزاد انه يتكلم أيضاً باسم ألوف، ومئات ألوف الفلسطينيين. وأعلن"اننا نريد السلام"، ثم خاطب الوزراء الموجودين قائلاً:"اذا كنتم لا تستطيعون تحقيق السلام، استقيلوا أو نقيلكم ونأتي بوزراء يستطيعون صنع السلام". لم أكن أعرف عن فاردي سوى اسمه المسجل امام مقعده في الطاولة التي اخترت الجلوس اليها، حتى لا أجلس مع شمعون بيريز أو إيهود أولمرت أو سيلفان شالوم. وعدت الى كتاب المشاركين وأنا أتوقع ان يكون من جماعات السلام الاسرائيلية، إلا انني وجدت انه يملك شركة تكنولوجيا، ومن رواد الانترنت، وان دراسته علمية، وعمله في شركات أسسها، ومن دون اشارة الى أي دور سياسي أو في المجتمع المدني. فاردي عكس الجو السائد في المؤتمر، فالكل يتحدث عن السلام، أو يطلب السلام، ولا سلام اليوم أو غداً. رئيس الوزراء توني بلير قال في دافوس ان رؤية الرئيس بوش هي لدولة فلسطينية مستقلة، جنباً الى جنب مع اسرائيل، أرضها متواصلة وقابلة للحياة، مع مؤسسات فاعلة ودعم دولي لتقوم على رجليها. وموقف فرنسا معروف من دون حاجة الى سماع كلام الرئيس شيراك. وفي الندوة عن غزة افتتحت الكلام ميشلين كارمي - راي، وزيرة الخارجية في الاتحاد السويسري، وكان كلامها عن السلام والدولة الفلسطينية المستقلة ممتازاً، وفعل مثلها جان بيترسن، وزير خارجية النروج. ونعرف ان ما سبق موقف اوروبا كلها وروسيا والصين، ويبقى ان نرى النتيجة في عمرنا. وجدت شمعون بيريز، نائب رئيس وزراء اسرائيل ورئيس حزب العمل، في الوظيفة الخطأ، مع انه شغل كل منصب سياسي ممكن في حزبه والحكومة. وأعتقد بأنه كان يجب أن يعمل في العلاقات العامة لأنه"يرش على الموت سكّر"، وقد حاول في الندوة عن غزة وكل اجتماع آخر في دافوس ان يحسن صورة الحكومة الاسرائيلية التي كان يهاجمها حتى انضم اليها. أما وزير الخارجية سيلفان شالوم، فلم يفاجئني بشيء لأنني تعودت ان اسمع كلامه في مؤتمرات دولية والأممالمتحدة. وأجده متطرفاً من نوع آرييل شارون، مع طموحات سياسية لا تناسب قدراته، مثل الطموحات الجنسية لبعض الرجال. وهو اختار ان يتحدث عن حق العودة، وانه لا يمكن تطبيقه، كأن هذه هي المشكلة الوحيدة بين الفلسطينيين واسرائيل. أعتقد بأن كل مسؤول فلسطيني من أبو مازن نزولاً يعرف ان اسرائيل لن تقبل بعودة ملايين اللاجئين الفلسطينيين اليها لأن هذا سيعني زوال اسرائيل. غير ان حق العودة ورقة في المفاوضات ستكون آخر ورقة تطرح وسيكون لها ثمن. وثمة حلول كثيرة، وأعتقد بأن المنطقي الاتفاق على برنامج لمّ شمل الأسر المفرقة. فوجئت في الجلسة عن غزة بأن ايهود اولمرت، نائب رئيس الوزراء وزير التجارة والعمل والمواصلات، تحدث باعتدال، كما فعل في جلسات اخرى حضرتها، وكان رأيي السابق فيه سيئاً ويعود الى أيام عمله رئيساً لبلدية القدس، إلا أن ما سمعت منه في دافوس كان معتدلاً معقولاً، ويبدو انه ليكود - لايت، بقدر ما ان شالوم الذي سمعته في جلسات أخرى، شارون باسم آخر. بعض الاسرائيليين في الجلسة تحدث باعتدال... واستعجال، فلا يزال هناك اسرائيليون يعتقدون بأن في الامكان تطبيع العلاقات مع العرب، قبل تحقيق السلام مع الفلسطينيين. وهنا كانت مداخلة من الصديق الدكتور غسان سلامة، أعتقد بأنها حسمت الأمر لمن سمعها. أخونا غسان قال انه خلال عمله مع الأممالمتحدة في العراق شارك في جلسة بين مسؤولين عراقيين عينتهم الحكومة الأميركية، ورجال أعمال اميركيين كبار. واقترح رئيس شركة نفط اميركية عالمية اعادة فتح خط أنابيب النفط الى حيفا، فقال له العراقيون كلهم: هذا بعد السلام مع الفلسطينيين. أخونا غسان نبّه الحاضرين الى أن هذا موقف عراقيين يؤيدون الولاياتالمتحدة ويتعاملون معها، ويمكن بعد ذلك تصور رأي المعارضة والاسلاميين في الموضوع. كان الدكتور سلامة يتحدث وحماس تكتسح الانتخابات البلدية في غزة، وفي اليوم التالي قرأت تحليلات خاطئة أو تخويفية عن مغزى فوز حماس. المغزى الوحيد هو ان الانتخابات الديموقراطية هذه عكست رأي الناس في اسرائيل وحليفتها الولاياتالمتحدة، مع ان ادارة بوش تعتقد بأن الديموقراطية العربية ستؤدي الى سلام على طريقتها. السلام ممكن، وفوز حماس لا يبعده، وكنت تحدثت مع الأخ خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس، وأنا في مطار لندن للسفر الى دافوس. وهو أكد لي ان الاتصالات مع الرئيس محمود عباس قطعت شوطاً كبيراً، ولا مشكلة مع فصائل المقاومة الاسلامية. وأضاف ان الكرة في الملعب الاسرائيلي، ولا شيء مجانياً، فإذا التزمت اسرائيل وقف العنف من جانبها فإن حماس ستلتزم. قال أبو الوليد ان الحديث عن خلاف بين الداخل والخارج كذب من وزارة الخارجية الاسرائيلية، أقول انا ان المقصود به الاساءة الى سورية أكثر من المقاومة الاسلامية. الأخ خالد مشعل يقول:"ان مشكلة أبو مازن مع الحكومة الاسرائيلية وليست معنا"، وأرجو أن يكون في الحكومة الائتلافية عقل كافٍ لمنع استمرار التطرف، والجلسة عن غزة كانت استثنائية من ناحية ان الاسرائيليين كانوا غالبية كبيرة، فقد رأيت نحو 50 منهم في مقابل خمسة أو ستة من العرب. ومع ذلك فقد كان الحديث عن السلام، ورغبة المتحدثين فيه، وسعيهم اليه.