يعتقد آرون ميلر الذي لعب دوراً بارزاً في عملية السلام في الشرق الأوسط على امتداد العقد الماضي كله ان ادارة جورج بوش، في ولايته الثانية، ستتعاطى مع عملية السلام في الشرق الأوسط، بعد أن ابتعدت عنها أربع سنوات. وسرني ان أجد ان ميلر، وهو رئيس مؤسسة بذور السلام الآن، له مثل رأيي في الدكتورة كوندوليزا رايس، وقدرتها على دفع عملية السلام مع ما تحظى به من ثقة الرئيس. كنت أحدث آرون ميلر على هامش اجتماع لمجموعة المئة من قادة الحوار بين الأديان، فكلانا عضو فيها. والدكتور ميلر يعمل للسلام خارج القنوات الرسمية، فمؤسسة بذور السلام ترعى زيارات متبادلة للصغار من الشرق الأوسط والولايات المتحدة، وهم يتزاورون ويقومون بنشاطات مشتركة، ويدرسون سبل حل النزاعات. آرون ميلر قدم أربعة أسباب لترجيحه تعاطي ادارة بوش مع عملية السلام في الشرق الأوسط. وهو قال: أولاً، ياسر عرفات ذهب، وذهب معه عذر انه ليس شريكاً في عملية السلام، ولا يريد السلام. ثانياً، ادارة بوش على علاقة وثيقة مع اسرائيل، واذا أحيت عملية السلام فلا أحد سيتهمها بأنها ضد اسرائيل، أو ضد عملية السلام. ثالثاً، ادارة بوش ستبدأ فك ارتباط مع العراق خلال سنتين أو ثلاث سنوات، وهي ستبدأ البحث عن قضايا أخرى تعمل عليها. رابعاً، كوندوليزا رايس هي وزيرة الخارجية الأولى منذ 11 سنة وتحديداً منذ جورج بوش الأب وجيمس بيكر، التي لها علاقة خاصة ووثيقة مع رئيس يمنحها ثقته كاملة. وهي اذا عملت على السلام في الشرق الأوسط، فسيكون الافتراض ان الرئيس هو الذي يعمل وانها تتحدث باسمه. وزاد ميلر نقطة أخيرة، فجهود السلام فشلت بعد 2001 و2002، الا انه بقي منها اتفاق على نقاط مهمة هي القدس واللاجئون والحدود والأمن، ما يسهل جولات المفاوضات المقبلة. وجدت كلام آرون ميلر منطقياً، ولكن المشكلة عندي كمراقب عربي، ان اذا كان ياسر عرفات ليس شريكاً في عملية السلام، فإن آرييل شارون ليس شريكاً بدوره. وأجد صعباً ان أتوقع سلاماً فلسطينياً - اسرائيلياً وهو في الحكم. كان السلام في متناول اليد بعد مفاوضات طابا قرب نهاية كانون الثاني يناير 2001 . والمفاوضون الاسرائيليون والفلسطينيون أصدروا بياناً معروفاً يقول انهم لم يكونوا يوماً أقرب الى السلام مما هم الآن. غير ان أبو عمار، رحمه الله، تأخر حتى فات الوقت، والاسرائيليون انتخبوا آرييل شارون، وضاعت فرصة سلام نرجو أن تعود. سألت ميلر عن رأيه في أسباب تمنع أبو عمار عن اكمال شوط السلام، وهو قال انه يعتقد بأن ياسر عرفات الذي رفض المعروض عليه في كامب ديفيد في تموز يوليو حصل على عرض في كانون الأول ديسمبر أفضل 25 في المئة من عرض كامب ديفيد، وهو ما عرف باتفاق الأطر أطر كلينتون، ولعله اعتقد بأنه يستطيع أن يساوم ويحصل على عرض افضل من اتفاق الأطر، ولم يحسب حساب نهاية ادارة كلينتون، والانتخابات الاسرائيلية المقبلة. قلت لآرون ميلر ان رأيي ان ابو عمار وجد نفسه أمام"ساعة الحقيقة"، ولم يستطع مواجهة شعبه باتفاق لا يشمل القدس العربية كلها وحق العودة للاجئين الفلسطينيين فبقي يماطل وهو يأمل بعرض أفضل. ربما كان آرون ميلر مصيباً، وربما كنت مصيباً، وربما كانت اسباب أبو عمار غير هذا وذاك. أين كنا وأين أصبحنا. أمس جلست في القاعة الكبرى من مبنى المؤتمرات في دافوس لأستمع الى حوار موضوعه"هل يتم احياء عملية السلام؟"شارك فيه ايهود أولمرت وماهر المصري وسلفان شالوم وسلام فياض وشمعون بيريز وياسر عبد ربه. ووجدت انني اجلس في الصف الأول الى يسار أخينا عمرو موسى، وحيث جلست معه في مثل هذا الوقت تماماً سنة 2001 عندما ألقى أبو عمار خطابه العنيف ضد ايهود باراك واسرائيل، بعد أن كان سبقه بيريز بخطاب مهادن. البروفسور كلاوس شاوب، رئيس المؤتمر، قال لي بعد ذلك وكرر أمس ان تلك كانت أكثر اللحظات احراجاً في حياته كلها. ولا نزال حتى اليوم نحاول أن نفسر أسباب موقف الرئيس الفلسطيني. لا أدري اذا كانت عملية السلام ستحيا من جديد، مثل اليعازر، ولكن أدري ان ما سمعته من الاسرائيليين غير مشجع، ووزير خارجيتهم شالوم يقول ان المستوطنين سيقتلعون من"بيوتهم". ورد عليه ماهر المصري انهم ما كان يجوز أن يكونوا هناك أصلاً. في اليوم السابق رسم بيل كلينتون وبيريز صورة زاهية، وكاذبة، عن مستقبل السلام، وكأنه على ناصية الطريق وبانتظار وصول الفلسطينيين اليه. هذه المرة تولى الرد الأمين العام لجامعة الدول العربية، فهو سألهم عن أي سلام يتحدثون، وحكومة آرييل شارون تكمل بناء جدار الفصل، وتزيد في بناء المستوطنات. الاسرائيليون واليهود حول العالم ليسوا كلهم آرييل شارون، فهناك غالبية كبيرة منهم تريد السلام، ومؤتمر دافوس ضم عدداً من أبرز قادة الرأي اليهود حول العالم، وكانت غالبيتهم أيضاً في صف السلام. وتضم مجموعة المئة من قادة الحوار بين الأديان، الحاخام ديفيد روزين، مدير شؤون الأديان في اللجنة اليهودية الأميركية. وسمعته يقول انه اذا كان الدين جزءاً من المشكلة فيجب أن يكون جزءاً من الحل. وانه كان يجب أن تُقدَّر أهمية الدين في النزاع الاسرائيلي - الفلسطيني. وهو يرى ان حل القضية الفلسطينية سيحل معظم المشكلات في الشرق الأوسط من ارهاب وغيره، وهو رأيي ايضاً.