توقفت الأوساط السياسية في لبنان امام معاودة الحملة السورية على رئيس"اللقاء النيابي الديموقراطي"وليد جنبلاط، من خلال مجلة"الاقتصادية"الخاصة القريبة من النظام في سورية. وتزامنت الحملة هذه المرة مع استعداد رئيس لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري القاضي الألماني ديتليف ميليس الانتقال هذا الأسبوع الى دمشق للاستماع الى افادة ضباط ومسؤولين سوريين كشهود. راجع ص 6 و7 وشنت"الاقتصادية"هجوماً على جنبلاط، هو الأعنف منذ مدة طويلة، واصفة اياه بأنه احد قادة الحركة المناهضة للنفوذ السوري في لبنان وأنه"أول من خان سورية"، وقالت إنه شخص"غير مرحب به في دمشق". وأضافت ان"مشكلة جنبلاط هي تحديداً مع الشعب السوري الذي لا يتسامح مع كل من حرض وشجع على قتل مواطن سوري واحد"، مشيرة الى ان"هذا الشعب كان يراقب ويشاهد ويتابع تصريحات"وليد بك"ليكتشف في ما بعد النتائج الكارثية لتلك التصريحات التي أدت الى اغتيال عشرات العمال السوريين فوق الأراضي اللبنانية عقب التفجير الذي أودى بحياة رئيس الحكومة اللبناني السابق رفيق الحريري"في 14 شباط فبراير الماضي. واتهمت"الاقتصادية"جنبلاط بأنه"أطلق الشتائم بحق سورية وشعبها"، مذكرة بأن القيادة السورية"تعاملت لعقود معه ومنحته ما يكفي من الحصانة والحضانة في اطار سياسة التسامح التي مارستها في لبنان"، وقالت المجلة مخاطبة رئيس"الحزب التقدمي الاشتراكي"ان"مشكلتك يا"وليد بك"انك كنت أول من خان سورية والسوريين في لبنان وكنت وأزلامك الرأس المدبر لكل ما حصل ويحصل وكنت المستفيد الوحيد من اغتيال الرئيس الحريري". وخلصت المجلة الى القول:"ان السوريين لن ينسوا الدماء السورية التي سالت في لبنان نتيجة تصريحاتك العنصرية وشتائمك الحاقدة وتحريضك المعلن على كل ما هو سوري في لبنان". وتعاملت أوساط قريبة الى جنبلاط مع هذه الحملة على انها"استمرار لسياسة التحريض المتبعة في دمشق منذ اغتيال الرئيس الشهيد الحريري". لكن مصادر أخرى فوجئت بالتوقيت لاستئناف الحملات السورية ضد جنبلاط، وقالت ل"الحياة"ان الأخير كان يتفادى أخيراً أي كلام عن النظام السوري سوى ما قاله في مقابلته لمحطة"العربية"من ان هناك استحالة لترميم العلاقة مع النظام السوري الحالي، في حال ثبت تورطه في الجريمة، مؤكداً أهمية التعاون مع سورية بغض النظر عن الشخص الذي يحكمها. على خط آخر، تصاعدت المواقف من التفجير الذي استهدف ليل الجمعة الماضي شارع الجعيتاوي في الأشرفية، وأدى الى سقوط قتيل وعشرة جرحى اصاباتهم طفيفة، وذلك مع عودة رئيس المجلس النيابي نبيه بري من الخارج بعدما أمضى اجازة صيفية مع عائلته استمرت حوالى الأسبوعين. وجاء تعليق بري على الانفجار لافتاً خصوصاً لجهة قوله انه"يحق لنا جميعاً وواجبنا استنكار جريمة الجعيتاوي، انما لا يحق للحكومة ذلك وهي التي لم تخط خطوة واحدة باتجاه الإمساك بالأمن"، ومشيراً الى انه"لا تنفع حتى الاستثمارات التي يُسعى إليها والمساعدات التي يلوّح بها"، في اشارة مباشرة الى اللقاء الذي يعقد اليوم في مقر الأممالمتحدة في نيويورك ويحضره رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ويخصص لمساعدة لبنان. وعلمت"الحياة"ان موقف بري أثار تساؤلات لدى اعضاء الوفد المرافق للسنيورة الى نيويورك، وقد حاول من خلال الاتصالات التي أجراها طوال أمس الوقوف على الأسباب التي أملت على بري اتخاذ موقف من التفجيرات تجاوزه الى الغمز من قناة رئيس الحكومة، خصوصاً بالنسبة الى توقيته وأهدافه، ملوحة بأن السنيورة يدرس الرد من نيويورك على رئيس المجلس. ومما زاد في طرح التساؤلات لدى الوفد المرافق للسنيورة، ان انتقاد بري لم يكن ابداً على خلفية وجود توتر في علاقته السياسية برئيس كتلة"المستقبل"النيابية النائب سعد الحريري، خصوصاً ان التواصل بينهما قائم وفي شكل دائم وغالباً من خلال النائب في حركة"امل"علي حسن خليل. وبحسب المعلومات، فإن إقامة الحريري في باريس وبعد انتقاله منها الى نيويورك ووجود بري في عدد من العواصم الأوروبية لم تحل دون استمرار التواصل للتشاور في المستجدات السياسية على الساحة اللبنانية. كما ان علاقة بري بجنبلاط لا يشوبها أي حذر، وتسيطر عليها حال من التواصل الإيجابي ويواكبها عن كثب النائب خليل الذي كان التقى جنبلاط في المختارة قبل توجهه الى المملكة العربية السعودية. لذلك، فإن العلاقة بين بري والسنيورة، ليست ناجمة عن الفتور الذي يسودها منذ تشكيل الحكومة الحالية بذريعة غياب أي شكل من اشكال التنسيق والتشاور فحسب وإنما للملاحظات التي يبديها رئيس المجلس حول اداء الحكومة. ونقلت مصادر نيابية عن بري قوله فور عودته من الخارج، ان من غير الجائز بعد الآن استمرار الفلتان الأمني وترك البلد أسير حال الاضطراب، محذراً من التفجيرات المتنقلة التي باتت تحمل"توقيع"جهة لا بد من كشفها. وقال بري:"نحن الآن امام مرحلة سياسية دقيقة في ضوء اعادة تركيب البلد الذي سيتغير وجهه، وبالتالي لا بد من التنبه الى المحاولات الهادفة الى افتعال فتنة مسيحية - اسلامية بعد ان أحبطت محاولات مماثلة لإحداث فتنة شيعية - سنية، وأخرى شيعية - فلسطينية، وهذا يستدعي قطع الطريق على من يراهن على استغلال الوضع وصولاً الى عودة مسلسل التفجيرات". من جهة ثانية، واستعداداً لوصول ميليس الى دمشق، قال مصدر سوري رفيع ل"الحياة"ان"الأيام العشرة المقبلة ستحدد صورة كل شيء"، في اشارة الى توجهات المرحلة المقبلة دولياً وداخلياً، وأن القرار 1595 يوكل مهمة المحاكمة الى القضاء اللبناني، لا سيما ان دمشق"لم تسمع من ميليس أي اتهام لسورية"، وأن القاضي الألماني"لا يزال يتعامل بمهنية وموضوعية"في التحقيق، وأن قول مصدر في لجنة التحقيق ل"الحياة"في بيروت يوم أمس ان"الحديث عن التسييس حماقة"هو"دليل اضافي على تمسك ميليس بالمهنية". وبالنسبة الى وصول ميليس الى دمشق، قال المصدر ان القاضي الألماني سيصل الثلثاء غداً، لكن مصدراً آخر أكد ان"ميليس سيأتي نهاية هذا الأسبوع، وأن الموعد لم يحدد بدقة". في غضون ذلك، تجري مناقشات سورية رسمية في شأن كيفية التعاطي مع ميليس. وقال المصدر ان"دراسة تجري للاتفاق في شأن التعاطي مع الاعلام، وما اذا كان الجانب السوري سيعلن تفاصيل نشاطات ميليس"، مع العلم ان دمشق لم تعلن الى الآن المكان الذي سيجري فيه اللقاء. واذ شدد المصدر السوري على ان"المرحلة السورية لم تبدأ بعد"في تحقيقات ميليس، وان"الايام العشرة المقبلة ستحدد كل شيء"، أشار الى ان الحديث عن انشاء محكمة دولية او محكمة خاصة"هو آخر المراحل"، موضحاً ان القرار 1595 المتعلق بتشكيل اللجنة الدولية"اوكل الموضوع الى القضاء اللبناني"، وان سورية"ستواصل التعاون تحت سقف السيادة والقوانين السورية وطالما ان التحقيق غير مسيس".