في كتابه"الحركات الإسلامية في مصر وإيران، 1989"يكتب رفعت سيد أحمد: من الثابت أن أعضاء وقادة التنظيمات الإسلامية، يمثلون الطبقات الاجتماعية كافة بالمجتمع المصري خلال السبعينات، وان كانت الغلبة من حيث النسبة في الانتماء هي للطبقة الوسطى، وهي الطبقة نفسها التي أفرزت من قبل قادة مصريين معروفين احمد عرابي، سعد زغلول، حسن البنا، جمال عبدالناصر، السادات ويلاحظ أن أعضاء الجماعات الإسلامية ينتمون الى القطاع الحضري الذي تمتد جذوره الى الريف، وتم تمدينه حديثاً ومثلت المناطق المحيطة بالقاهرة بولاق الدكرور عين شمس، إمبابة، حلوان وغيرها من المناطق الفقيرة التي تقطنها جماعات مقبلة من الريف، مثلت هذه المناطق بؤر تجمع للتيارات الإسلامية الثورية، ومعنى ذلك كما يرى رفعت سيد احمد أن الطبقة الوسطى، والوسطى الدنيا، والوسطى العليا، كان لها غلبة الانتماء وان لم تحتوه كلية، إذا أن الانتشار بين الطبقات كان أبرز خصائص حركة الإحياء الإسلامي في مصر خلال السبعينات. كانت النزعة الطبقاوية في تفسير نشوء الحركات الإسلامية المعاصرة، قد سادت على يد محمود أمين العالم وغيره من الباحثين، وكانت تنطوي ضمنا على إدانة للحركات الإسلامية من حيث كونها حركات ريفية وجدت في الإسلام وسيلتها في التعبير والاحتجاج على وضعها الدوني. لم تقنع التحليلات السائدة بشأن الحركات الإسلامية المعاصرة أحداً حتى منتجيها، فالحركات الإسلامية كانت منتشرة في معظم الطبقات الاجتماعية في مصر، وكان هذا يقتضي تحليلاً جديداً يتقاطع مع النزعة الطبقاوية في تفسير هذه الحركات، تحليلاً يركز على جوانب الغلو والتكفير في خطاب الجماعات الإسلامية في مصر بشتى صنوفها، المعتدل منها والراديكالي، خصوصاً ان الكثير من التحليلات التي سادت في العقود المنصرمة من القرن المنصرم ثم بادت، لا تميل الى التمييز بين الراديكالي والمعتدل داخل الخطاب الإسلامي وذلك لغاية في نفس يعقوب، لنقل في نفس الباحث انظر نصر حامد أبو زيد في"الخطاب الديني" على سبيل المثال. إذاً، كانت الحاجة تتنامى الى تفسير عابر للطبقات ومتجاوز للماركسويات المبتذلة على حد تعبير سمير أمين، فجرى التمييز داخل تيار الإسلام السياسي في مصر وعلى سبيل المثال، بين"الأخوان المسلمون"الذين قطعوا مع إيديولوجيا التكفير"وپ"مفهوم الحاكمية"كذلك"مفهوم الجاهلية"وبين"الجماعة الإسلامية"التي تأخذ على الأخوان نهجهم التصالحي مع الحاكم الكافر، كذلك التمييز داخل"الجماعة الإسلامية"بين"الوجه البحري"الأكثر اعتدالاً في سلوكها الديني إزاء الآخر"وبين"الوجه القبلي"الصعيدي بالتحديد، الأكثر غلواً وعنفاً. يروي منتصر الزيات في كتابه"الجماعة الإسلامية: رؤية من الداخل،2005"أن مجموعة"الوجه القبلي"كانت ترفض أن يضم مجلس شورى التنظيم أياً من المنتمين من الوجه البحري بدعوى أن عندهم شبهات في العقيدة، ومن ثم لا يجوز أن يتولوا مسؤوليات تنظيمية ص232، حتى داخل السجن وبعد اغتيال السادات كما يروي الزيات كانت مجموعة"الوجه القبلي"تقود اجتماعات خاصة بها داخل سجن"ليمان طره". هذا التفسير الإجرائي الذي يحمل من الدلالات الكثير، يتعدى في مفعوله التنظيم ليصل الى الأفراد، فقد كان حسن البنا مدينياً، في حين كان سيد قطب صعيدياً من قرية موشا في صعيد مصر يركز على ذلك محمد حافظ ذياب في كتابه"سيد قطب: الخطاب والإيديولوجيا"وكان رفاعي احمد طه من الصعيد، كذلك كرم زهدي والشيخ عمر عبدالرحمن، وهذا ما جعل كرم زهدي ينتصر لولاية الضرير التي أثارها قياديون من الوجه البحري، وكان عاصم دربالة من الوجه القبلي، كذلك ناجح إبراهيم الذي دعاه الرئيس السادات بپ"الواد ناجح"لما لديه من جرأة على قول الحق، في حين كان أيمن الظواهري وخالد الاسلامبولي وعصام العريان وعبدالمنعم أبو الفتوح من الوجه البحري. لم يكن الصعيد مجرد مدى جغرافي، بل كان مدرسة في العصبية والجرأة والإقدام والشجاعة والغلو في فهم الدين، وقد يفسر هذا من وجهة نظر كثيرين بروز التيار الراديكالي جماعة التكفير والهجرة بين الجماعة الإسلامية، وكانت عصبية الصعيد ومداه الجغرافي، ميداناً لتدريب الجماعة الإسلامية ومجالاً يحول دون اختراقه من الأجهزة الأمنية. يقول الزيات في الصعيد حيث"نجع حمادي للتدريب"كان يجري الجمع بين الناحية القبلية الموجودة بقوة هناك، وبين التعاليم الإسلامية المتشددة، لذلك كان يصعب على الأمن اختراق مجموعات الوجه القبلي. في سياق تمييزه الإجرائي بين"الوجه القبلي"وپ"الوجه البحري"يأتي الزيات بواقعة أخرى، تشهد على مدى التشدد الذي يبديه أهل الوجه القبلي، ففي حادثة الاستيلاء على محلات المسيحيين وأموالهم، تبين للجميع مدى الفارق بين الوجه القبلي والآخر البحري، فقد اقترن الاستيلاء على أموال المسيحيين في الوجه القبلي، وبالضبط من جماعة أسيوط بالقتل العشوائي للمسيحيين، وعلى رغم أن ذلك يشهد على الشجاعة والإقدام كما يروي الزيات، إلا انه كان شاهداً غير مألوف والتعبير له. في حين أن جماعة الوجه البحري لم يقترن عندها الاستيلاء على أموال المسيحيين بالقتل. في رأيي أن هذا المدخل الى تفسير التشدد والغلو ومنهج التكفير عند الجماعات الإسلامية، وعلى رغم وجاهته وقصوره عن تفسير العنف اللاحق ممثلاً بأحداث الحادي عشر من أيلول، كذلك الغلو عند الجماعات الإسلامية خارج وداخل مصر، إلا أنه من شانه أن يكون مدخلاً الى دراسة العقل السياسي للجماعة الإسلامية، عقل العقيدة وعقل القبيلة، وذلك بعيداً عن الاتهامات السائدة التي لا تميز داخل الخطاب الإسلامي بين المعتدل والمتطرف، وبعيداً عن تلك النزعة الثقافوية السائدة في تفسير العنف الإسلامي والتي تجعل منه بنية إسلامية ثابتة؟ من هنا يمكن القول أن هذا المنحى في تفسير الغلو داخل الجماعة الإسلامية يصلح للاستئناس وليس للقياس؟ كاتب سوري