فاجأنا التلفزيون الأردني اخيراً بأغنية غير معروفة كثيراً للمطربة فيروز عن عمان وقد أرفقت بشريط وثائقي يحمل ملامح من العاصمة الأردنية في حركتها اليومية وإيقاع شوارعها ومعالمها الحضارية القديمة. وكان هذا الشريط واحداً من اشرطة غنائية عدة قدمت وتقدّم بعيد الانفجارات الإرهابية التي استهدفت فنادق وأعراساً ونجم عنها ضحايا وخراب... طبعاً لم تطل فيروز في الشريط الوثائقي الذي ادت عبره اغنية"عمان"لكن صوتها كان وحده قادراً على ملء أي فراغ في الشريط. وبدت الأغنية مسجلة تسجيلاً حياً من حفلة كانت احيتها المطربة في عمان اواسط السبعينات. القصيدة كتبها حينذاك الشاعر سعيد عقل وكانت واحدة من اغنيات المدن التي انجزها الأخوان رحباني منتقلين من مدينة عربية الى اخرى. اللافت في هذه الأغنية انها قادرة على تخطي الزمن وكأنها لحّنت للتو وليس قبل ثلاثين سنة. ولعل صوت فيروز الذي كان في اوج نضارته اضفى عليها مسحة سحرية فغدت المدينة وكأنها"الحبيب"الذي تغنيه"شاعرة الصوت"بحنين ووجد. وكما في معظم اغنيات المدن الرحبانية كانت مساحة الألق رحبة وبات الغناء حالاً من الإنشاد الطالع من عمق القلب. قدّم التلفزيون الأردني قبل ايام وما برح يقدّم شرائط غنائية مصورة وأفلام فيديو - كليب تتغنى بعمان والأردن ارضاً وشعباً، تاريخاً وواقعاً، وبعضها لمطربين غير"جماهيريين". لكن شريط فيروز الذي لم تطلّ فيه، بدا هو الأقوى والأشد تأثيراً والناضح بالحزن والفرح في وقت واحد، حزن يخفيه صوت مطربتنا وفرح لا يفصم عنه وكأن هذين الحزن والفرح على حال من التناغم العميق الذي لا يستطيع ان يحدثه إلا صوت مثل صوت فيروز. نجح التلفزيون الأردني في الاستعانة بصوت فيروز الذي سرعان ما يدخل القلوب حتى وإن مرت عليه سنوات غير قليلة. وليت التلفزيون يبث ايضاً الأغنيتين الأخريين اللتين ادتهما فيروز تحية الى عمان والأردن وهما"أردن ارض العزم"وپ"هاج الضحى"وكلتاهما من تأليف سعيد عقل وتلحين الأخوين رحباني. بدا صوت فيروز هو الأقوى والأجمل في احتواء الألم الذي خلفته الانفجارات وبدا ايضاً الأقوى والأجمل في احتواء الأمل الذي لا بد منه في النهاية لمواصلة الحياة، هذه التي ستنتصر على الشر والأشرار.