لم يكن بالإمكان أكثر مما كان"، هو القول الأكثر تعبيراً عن مسيرة"الوحدة الوطنية"غير المكتملة التي عاشتها المنظمات الطالبية نحو 15 يوماً. ولم يكن بإمكان حملة"كفى"التي أطلقت بعد محاولة اغتيال الزميلة مي شدياق، واشتهرت بأنها ضمت منظمات 14 آذار مارس إلى جانب 8 آذار في ساحة الشهداء أن تحيا في كنف منظمات تختلف حتى في معاني السيادة والاستقلال ولا تتفق على تسمية العدو. فالاعتصام الأخير الذي نظمته الحملة الأسبوع الماضي في ساحة الحرية، من دون مناسبة محددة، لم يكن إلا إعلاناً غير رسمي عن انهيار المشروع المشترك لمنظمات تمترست على مدى أسابيع كثيرة تلت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في ساحتين، لتحتفل الأولى منها 14 آذار بپ"جلاء الجيش السوري عن لبنان"، في حين لوحت الثانية 8 آذار بالأعلام السورية، مذيلة بعبارة"شكراً سورية". غير أن الأمر الواقع حالياً، هو أن سلسلة التفجيرات التي أدت إلى توحيد المنظمات المختلفة في ساحة واحدة، لم تفرز بياناً مشتركاً، بل ورقة كتبت في اللحظات الأخيرة التي سبقت البث المباشر لحدث اجمع صانعوه على خطوط عريضة جداً أدانت التفجيرات وطالبت بإقرار التعيينات الأمنية أقرت لاحقاً. وقد لا يكون لافتا انهيار الوحدة بعد اقل من أسبوعين على بدئها. فجاء انسحاب"التيار الوطني الحر"،"لأنه يريد تحميل"كفى"كل القضايا العالقة في الوطن، كملفات الفساد وغيرها"، كما يوضح رئيس جمعية"شباب المستقبل"نادر النقيب. لكن، ما الذي غيب المنظمتين الرئيستين في"8 آذار"أي"حزب الله"و"حركة أمل"عن التحرك الأخير، وأيضاً عن سابقه الذي نظم في مناسبة مرور سنة على محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة؟ "شباب الحزب والحركة، يريدون درس كل تحرك قبل الاقدام عليه، وبعدها يعلنون مشاركتهم أو عدمها، من دون أن يعني ذلك انسحابهم من الحملة"، يؤكد مسؤول قطاع الشباب في"القوات اللبنانية"دانيال سبيرو، رافضاً الحديث عن الأعذار التي قدمها الطرفان لعدم المشاركة. "الاعتبارات السياسية لمعظم القوى الشبابية غلبت على العنوان الأساسي، وأرست مزيداً من التشرذم والانقسام بين الشباب اللبناني"... سبب آخر دفع منظمة أخرى هي"اتحاد الشباب الديموقراطي"إلى الانسحاب من الحملة. وأوضح الاتحاد في بيان له أنه"اصطدم بحال الفرز والمواقف المسبقة بين مختلف الأطراف"، معتبراً أن منطق عدم القبول بالرأي الآخر"يزيد الوطن شرخاً وتدميراً بخاصة في هذه الظروف الدقيقة والخطيرة التي يمر بها لبنان". أما"الحزب الشيوعي اللبناني"الذي افقده مسلسل الاغتيالات أمينه العام السابق جورج حاوي، فلم يصل اعتراضه إلى حد الانسحاب. وانتقد"الاستنسابية في التعاطي مع الأطراف المنضوية في الحملة، إذ بدأ العمل على بلورة خطاب سياسي يعفي الحكومة من مسؤوليتها عن أمان المواطن في مختلف الجوانب المصيرية في حياته". واعترض على"الخطاب الذي لا يزال يخفي مسؤولية السلطة بأطرافها، والاكتفاء بالقول ان المسؤول عن التفجيرات الأمنية - السياسية هو الجهاز الأمني السوري - اللبناني، بينما نحن نرى أن سبب هذه التفجيرات هو النظام الطبقي - الطائفي المأزوم بنيوياً". وكحصيلة أولية، فإن البيان الذي أعلن إطلاق الحملة في 28 أيلول سبتمبر الماضي، والذي اعترضت على"سقفه السياسي المنخفض"منظمات من داخل 14 آذار، لم تكتب له الحياة طويلاً، وان كان اختار سقفاً منخفضاً تجمع عليه المنظمات كافة تحت شعار"الوحدة الوطنية"، على حساب الخطاب"الصاروخي"لمنظمات 14 آذار.