كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الاستراتيجية الواجب اعتمادها في عملية الاستثمار في الثروة النفطية في العراق في اطار الدستور الجديد. وهو قطاع يحتمل مشاركات في عملية الاستثمار في كل مجالاته، إلا انه يفضل عدم قيام شراكات إذا لم تكن هناك حاجة الى هذه الشراكة مالياً او تكنولوجياً. ان أي سياسة نفطية يجب ان تستهدف ادامة الطاقات المتاحة في كل مراحل الصناعة النفطية، والعمل على توسيعها وتوفير ما يلزم لذلك. فالطاقة الإنتاجية المتاحة يمكن إطالتها وتوسيعها إما من خلال استخدام تكنولوجيا حديثة لزيادة معامل الاستخراج، او اضافة احتياطات جديدة. وقد يحتم ذلك دخول شريك اجنبي. ويجب في أي اتفاق شراكة التزام شرطين اساسيين للحفاظ على حقوق الدولة. أولهما زيادة حصة الدولة عن المردود المالي من عائد برميل النفط، وثانيهما شرط قانوني يؤكد سيادة الدولة على ثروتها النفطية وتحديدها استراتيجية التطوير والإنتاج. فبالنسبة الى عائد الدولة من برميل النفط فإن أي اتفاق سواء كان امتيازاً او مشروعاً مشتركاً يمكن الحصول منه على المردود نفسه بتغير الشروط المالية. الا ان تحديد سياسة التطوير والإنتاج هي الأمر الاساس الذي يجب ان تحتفظ به الدولة لتحقيق الأهداف الاقتصادية والتنموية. لقد كانت عقود الامتيازات هي السائدة في جميع الدول المنتجة للنفط في العشرينات والثلاثينات وتتضمن 12.5 في المئة من الإنتاج كريع للدولة لقاء تنازلها عن استثمار ثرواتها، و50 في المئة من الأرباح كضريبة اتفاقية فينزويلا لمناصفة الأرباح. إلا ان تصاعد اسعار النفط كما حدث عام 1973 سيزيد من دخل الشركات الأجنبية المستثمرة، وهذا يتطلب تعديل الريع او الضريبة لمصلحة الدولة. وقامت دول الأوبك عام 1974 برفع الريع الى 22 في المئة والضريبة الى 85 في المئة. وبسبب الاختلاف على السياسات الإنتاجية، قامت نيجيريا وأندونيسيا بين 1950 وپ1960 باللجوء الى انواع اخرى من الاتفاقات، مثل اتفاقات المساهمة في الإنتاج Production Sharing Agreements والتي تقوم فيها الدولة بالسيطرة على السياسة التطويرية والإنتاجية، وتتضمن عقود المساهمة تخصيص قسم من الإنتاج لتسديد الكلفة وتتقاسم الدولة والشريك الأجنبي نفط الربح بنسب تعتمد على مجموع ما يستلمه الشريك الأجنبي الى مجموع ما يصرفه R Factor. إن اهم الأمور التي يجب ان يشملها أي عقد هو ان يكون عادلاً للدولة والشريك الأجنبي لتحقيق مردود مقبول على رأس المال المستثمر، اعتماداً على حجم المال المستثمر وعوامل المجازفة. وأن اهم ما يتوجب ذكره هو ان يكون هناك قانون نفطي واحد للعراق ككل وليس مجموعة قوانين للمحافظات اينما كانت المكامن النفطية، لأن هذا يمنع التنافس ويزيد من القوى التفاوضية للجانب العراقي، ويمنع الشركات الأجنبية من الحصول على افضل الشروط لها. وهناك انواع عدة من العقود مثل المساهمة في الاستكشاف والتطوير، وهي تعتمد على نوعية المكمن. وتتضمن هذه العقود التزامات الشريك الأجنبي في عمليات مسح زلزالي وحفر آبار تقويمية وتحديدية يعقبها دراسة مكمنية وخطة تطويرية. كما ان هناك عقود مساهمة لحقول منتجة لحق ببعض مكامنها ضرر ما، يتطلب القيام بعمليات الإصلاح اللازمة، ويكون انسب العقود في هذه الحال عقود المساهمة للإنتاج المكمل incremental Production. وفي هذه الحال يلتزم الشريك الأجنبي بتوفير مستوى من الإنتاج من دون مشاركة في نفط الربح، وإنما يشارك في الإنتاج الذي يزيد على هذا المستوى. اما بالنسبة الى الحقول المنتجة والتي لم يصبها أي ضرر، فليس هناك من حاجة الى شريك اجنبي في غياب الحاجة المالية أو التكنولوجية. وبذا يكون كامل الإنتاج للدولة. ان أي اتفاق يجب ان تستند الى سيادة الدولة على ثرواتها. وإن القانون الذي يحكم الاتفاق هو القانون العراقي حتى اذا تم اللجوء الى المحكمين من خارج العراق لحل اية مشاكل تقع بين الطرفين. ومن غير المعقول ان تكون شروط العقد لحقل منتج مشابهة لتركيب ليس فيه أي مسح زلزالي او آبار استكشافية. وعليه يجب ان يقوم الجانب العراقي بتصنيف الاحتياطات النفطية. حقول منتجة، حقول منتجة لحق ببعض مكامنها ضرر ما، تراكيب بينتها المسوحات الزلزالية، التراكيب التي تم حفر الآبار الاستكشافية فيها. ويشمل التصنيف ايضاً ما يترتب على الشريك الأجنبي لتحويل هذه الاحتياطات الى احتياطات مثبتة قابلة للاستخراج recoverable. وبوضوح موجز، يجب على الدستور العراقي ان يحتوي على سياسة نفطية واستراتيجية واضحة المعالم لتطوير القطاع النفطي. وإذا دعت الحاجة الى دخول شريك اجنبي فيجب مراعاة ما يأتي: 1- عدم مشاركة أي طرف اجنبي اذا لم يكن هناك حاجة مالية او تكنولوجية تستدعي ذلك. 2- في حال عقد أي اتفاق مع طرف اجنبي، يجب العمل على رفع المردود المالي للدولة من عائد البرميل والاحتفاظ بسيادة الدولة على ثرواتها النفطية، سواء بتحديد سياسة التطوير او سياسة الإنتاج. 3- ان أي استراتيجية نفطية يجب ان تهدف الى ادامة الطاقات المتاحة والعمل على توسيعها وتوفير ما يستلزم ذلك. ونظراً للأهمية التي يتمتع بها القطاع النفطي كركيزة لمسيرة الاقتصاد العراقي يتوجب وضع استراتيجية منطقية ودقيقة وبأهداف واضحة يمكن للجمعية الوطنية مراقبة تنفيذها وتحقيق اهدافها. خبير نفطي عراقي.