حكايتي تشبه في جزء منها حكاية مي شدياق"تقول راوية والدموع تنهمر في عينيها. "أنا ايضاً أصبت ظلماً وفقدت ساقي اليسرى. كنا هاربين من القصف في بيروت الى قريتنا الآمنة حينما انهمرت علينا رصاصات قناص أصابت إحداها ساقي. ولأن الرصاصة كانت من النوع السام أمر الطبيب ببترها إنقاذاً لحياتي. "كانت التجربة مؤلمة جداً! بكيت، صرخت، رفضت وصببت جام غضبي على أهلي والطبيب والمستشفى والحرب والبلد وكل شيء! لكنني في النهاية رضخت وصدّقت انني فقدت جزءاً من جسدي وان علي التكيف مع هذا الواقع والتعامل معه! "احتجت الى سنة كاملة لشفاء الجرح وللاعتياد على الساق الاصطناعية التي استبدلت بها ساقي المفقودة! صحيح انني أعرج قليلاً لكنني أتابع حياتي وأذهب الى عملي كأي انسان عادي. عشرون سنة مضت على وضعي هذا حتى كدت أنسى ما أصابني... لكن حادثة مي شدياق أيقظت فيّ معاناة كل هذه المرحلة! أنا أعرف تماماً ما تعانيه ليس فقط من آلام جسدية بل ونفسية أيضاً!". "راوية"هي واحدة من آلاف اللبنانيين الذين حولتهم الحرب وتحولهم الى الآن، معوّقين يشهدون بأجسادهم على ضراوتها وعلى فظاعة ما يرتكبه الانسان في حقده على أخيه الانسان. الروايات الشاهدة كثيرة ويجمع أبطالها على صعوبة المرحلة الاولى التي تلي الاصابة"لم استطع ان أصدق ان يدي التي كنت، أزيّن أصابعها بأحدث موديلات الخواتم، لم تعد موجودة". تقول جمانة التي فقدت ذراعها في أحد التفجيرات الأمنية،"كنتُ أرى يدي في الحلم وأسترجع مشهد خسارتي لها فأصاب بنوبة بكاء وصراخ. ساعدني المعالج النفسي على تجاوز هذه المرحلة وكذلك رعاية الاسرة واحتضانها لي وتفهمها ومواكبتها لي في كل مراحل أزمتي حتى انتهيت الى اليد الاصطناعية التي بلغت حداً من التطور والاتقان في الشكل، فلا يلاحظ احد اختلافها عن اليد الطبيعية... أما أنا فلا أنسى مطلقاً!". "المهم ان يبقى الرأس سليماً والعقل ناشطاً"يقول بهاء الذي يتحرك على كرسي بعجلات."إن فقدان عضو في الجسد يوجه الطاقة الى عضو آخر... الانسان يملك قدرة مذهلة على التجاوز والتأقلم. المهم ألا يفقد الانسان عقله وايمانه وثقته بنفسه وبالحياة!". "أفقت على الدنيا وأنا بذراع مبتورة قبل حدود الكوع بسنتيمترات قليلة"تقول فريال 65 عاماً."بترت ذراعي عند الولادة في حادث كاد يودي بحياة أمي... كان عليّ أن أواجه الحياة بوضعي الخاص هذا مع ظروف أسرتي الاقتصادية الصعبة. أحسست انني أواجه تحدياً كبيراً. فاجتهدت كثيراً وأتقنت فن الخياطة والتطريز. وتزوجت وكوّنت أسرة كبيرة أعتز بها وأنا ما زلت أعمل في مهنتي، بل أصبحت خبيرة في رتق الثياب. لم ألجأ الى الذراع الاصطناعية لأنها ببساطة لم تكن متوافرة في زمني... بعد ذلك اكتشفت انها ستعوقني في العمل!".