فشل الاطراف المسؤولون عن عمليات انتاج الدراما العربية وتسويقها وعرضها في برمجة خطة لتقديم اعمالها على مدار العام بدلاً من اقتصارها على شهر رمضان، مع ما يلحق ذلك من ضرر بالجهات المنتجة وقنوات العرض والجمهور المتلقي على السواء. من صاحب القرار في ذلك؟ وهل في مقدور المعلنين فرض توجهاتهم وتجاهل بقية اطراف العملية؟ وفي مصلحة من الاستمرار في التقليد الحالي؟ غياب الضوابط أفرزت تجربة"موسم رمضان"خلال السنوات الماضية فرق عمل مهمتها إنجاز المسلسلات المعدة للعرض في سوق عكاظ الرمضاني بغية زيادة نسبة العائد المالي. وواتت الفكرة القنوات الارضية والفضائية التي زادت من مواردها هي الاخرى بفضل اقبال المعلنين الذين يهمهم وصول رسالتهم الى اكبر عدد من الجمهور المستهدف. واستفاد المعلنون من غياب المعايير التي تنظم خريطة البث الاعلاني ضمن ساعات الارسال في القنوات العربية، مقارنة بنظيراتها الاوروبية، وهي معايير اخلاقية يمليها شرف المهنة على القائمين على تلك الوسائل الاعلامية. وأعاق ذلك اعادة النظر في طريقة وتوقيت عرض النتاجات الدرامية طوال شهور السنة. وتسابقت شركات الانتاج لعرض اعمالها في وقت الذروة قبيل الافطار وبعده، وهي تحقق اعلى نسبة متابعة لضرورات اعلانية، وناسب ذلك المحطات التلفزيونية ايضاً، التي تتجاهل ظروف التوقيت بين الدول العربية ومن دون النظر الى ساعات جمهور الاغتراب العربي. والسؤال: ألا يمكن خطة برامج المحطات ان توزع العروض الدرامية على بقية الشهور بالاتفاق مع شركات الانتاج والمعلنين فتستطيع التأثير في عادات المشاهدة لدى الجمهور وجعلها أكثر غنى وموضوعية في التعامل مع ما يبث، فتتوزع عائداتها على مدار العام من دون ان يمسها أدنى خفض؟ لم يتعامل المعلنون العرب بعد مع الاعلان على انه علم وفن، فليس للاعلانات المكثفة والمركزة، كما في رمضان، أي دور في زيادة نسبة المبيعات الا عندما يكون العمل في مرحلة تقديمه في السوق. أي ليس لها فائدة في مرحلة نضج السلعة او الخدمة او في مرحلتي الاشباع وتراجع عمرها المرتبط بدورة حياتها في السوق. ويستثنى من ذلك الاعلانات عن الماركات العالمية التي تسوق اسمها او شعارها كاعلان تذكيري يستهدف المنافسة مع الماركات المشابهة. فهل يستفيد المعلنون من تكرار عرض اعلاناتهم خلال دراما رمضان؟ ومن شأن زيادة زخم الانتاج الدرامي الخاص بشهر رمضان، مع محدودية الخيارات المتاحة لتصريفه وضيق مساحات العرض المزدحمة اصلاً بالبرامج الرمضانية والترفيهية، ان يرفع من حدة المنافسة والمساومة على ثمن الاعمال لاستبعاد بعضها من دورة العرض الوحيدة، وبالتالي إلحاق خسائر فادحة بشركات الانتاج. ويعني ذلك ان ليس في مصلحة تلك الشركات تركيز نتاجاتها للعرض في رمضان فقط. وفي حين امتنعت شركات انتاج عن تنفيذ اعمال تلفزيونية موضوعة في خطتها السنوية لأنها لم تستطع حجز مكان لها مسبقاً على شاشات رمضان، وضعت شركات اخرى اعمالها على الرف على رغم جاهزيتها في انتظار شهر العرض فتغلب الكم على الكيف والربح على الموضوعية في الطرح والتقديم والمعالجة، وتمكن ملاحظة ذلك في الاعمال التي بوش عرضها ولم تنته عمليات تصويرها بعد. الضرر المشترك ويمكن توزيع الاعمال على مدار السنة ان يخدم كلاً من الممثل والمخرج، فيتسع وقت كل منهما لاتقان عمله فلا يستعجل تدبير شؤونه نظراً الى ارتباطاته الكثيرة. وكم من الاعمال التي عرضت خارج دورة رمضان ولاقت النجاح وبعض مما شملتها الدورة عانت الاهمال والنسيان. ويجب وضع حد للاعمال التي يفصّل عدد حلقاتها وفق عدد ايام شهر الصوم وما يصيبها من اطالة غير مبررة واسهاب في الحشو والتفاصيل الصغيرة. وفي ما يخص المتلقي، وهو الهدف النهائي من العملية الاتصالية والمتضرر الاكبر منها، جرى تحويله سلعة مثل سيل الاعلانات والاعمال الدرامية التي تمطره بها القنوات من دون مراعاة واقعه ووعيه، فما استطاع ان يميز الاعمال الراقية من الهابطة التي جرى تمريرها استهانة بذوقه وقدرته على تقويم ما يشاهده. وهو أصيب بالملل ليتابع ما تيسر له من الاعمال بقدر ما يسمح له وقته او ليكمل المسلسلات التي شاهد حلقاتها الاولى، من دون إغفال الاعمال التي تفرض على المشاهد انتظار فصولها الرمضانية. اما بالنسبة للاعمال الكوميدية، أوليست الاوقات غير الرمضانية اجدى لعرضها ما دام الهدف منها الترفيه والامتاع والتسلية لتخفيف الضغط النفسي الذي هو في أدنى حدوده في شهر الصوم؟ فلماذا التركيز على عرضها في شهر رمضان؟ أخيراً، لا بد من قيام رقابة حقيقية على الاعمال المعدة للعرض في رمضان لما لها من تأثير مباشر على تشكيل الوعي الثقافي والاجتماعي لشريحة كبيرة من الطبقة الوسطى العربية التي غدت الدراما منهلها الوحيد الذي تغرف منه والمعبر عن هوسها وتطلعاتها لتكوين صورة حقيقية عن الواقع العربي في كل مآسيه وشجونه.