الموسيقي السوري بشار زرقان وقف الأسبوع الماضي على المسرح الصغير في دار الاوبرا المصرية, في اول لقاء يجمعه بالجمهور المصري. وقد نجح في انتزاع الاعجاب، واعترف أهل المهنة بتميز تجربته كموسيقي يعمل ضد التيار الطاغي على الأغنية العربية اليوم. فبينما يمضي هذا التيار في اتجاه"الابتذال"يسعى زرقان الى اكتشاف جماليات جديدة, وابتكار لغة غنائية خاصة تستثمر الطاقات الكامنة في ميراث الشعر الصوفي العربي وحاضره. ولا تهمل أغنيته الراهن الموسيقي العرب، إذ يعمل على عصرنة التراث، وعلى تقديمه في قالب عصري. وفي حفلته القاهريّة التي قدّمتها الاذاعية المصرية امينة صبري الرئيسة السابقة لشبكة صوت العرب وحضرها جمهور متنوّع، قدم زرقان مجموعة من اغنياته المعروفة من اشعار محيي الدين ابن عربي والحلاج وعبد الكريم الجيلي وابن الفارض سلطان العاشقين... ومعظم هذه الأعمال ضمّنها الفنان السوري أسطوانته التي صدرت العام الماضي بعنوان"انت حالي". وزاد على هذه الاغنيات نصين جديدين. الأول للشاعر محمود درويش عنوانه"سقط الحصان عن القصية"، وهو من ديوانه الجديد"كزهر اللوز أو أبعد". والثاني هو قصيدة"يا هذا"المأخوذة من"كتاب الاشارات الالهية"لأبي حيان التوحيدي. وهو نص بدا تقديمه اقرب الى المغامرة التي تشير الى ان هذا الموسيقي يمضي في اتجاه اكتشاف ما في النصوص النثرية من جماليات وطاقة شعرية. ومن اللافت في حفلة بشار زرقان القاهريّة، أنّه لم ينزلق الى فخّ"مغازلة الجمهور المصري", إذ تفادى مثلاً اعادة تقديم بعض الأغنيات التي لحنها في بداياته للشاعر المصري أحمد فؤاد نجم قبل سنوات. ولعله اعتبر أن تلك التجربة التي كانت سياسية واحتجاجية اساساً تنتمي الى ماضٍ لا يرغب في ايقاظه. كما اسقط من برنامج الحفلة الأغنية التي كان قدّمها انطلاقاً من قصيدة محمود درويش الشهيرة"جدارية"... وفضل ان يلاقي الجمهور المصري بالجديد الصادم للذائقة التقليدية. وهو خيار يؤكد أن زرقان لا يزال مصراً على الدفاع عن مشروعه الغنائي القائم بالأساس على رؤية جديدة وبخاصة، بناها على"لحظة الإحساس بالآخر". وقد أثار انتباه الحاضرين غياب أي ممثل ديبلوماسي في القاهرة عن الحفلة التي أعدت بإشراف الشاعرة السورية المقيمة في القاهرة لينا الطيبي، ضمن برنامج الليالي العربية، الذي نظّمته دار الاوبرا المصرية خلال شهر رمضان. والمعروف أن زرقان وقّع في بلاده أكثر من بيان أطلقه الناشطون من أجل المجتمع المدني في سورية. وزرقان الذي سيغني في افتتاح"أيّام قرطاج المسرحية"بعد أسابيع قليلة، من مواليد دمشق العام 1962، فيها اتم دراساته الأولية. ابتدأ مشواره مع الغناء السياسي مطلع الثمانينات. ثم غير في تجربته ليتخصص بإداء القصائد التأمليّة، تلحيناً وانشاداً... أسس فرقاً موسيقية عدّة، وعرف اضافة الى ذلك بكونه ممثلاً مسرحياً وتلفزيونياً... ويعيش الآن بين باريسودمشق.