لا تخفي الممثلة اللبنانية نهلة عقل داوود، تحفظاتها على الأخطاء التي وقع بها مسلسل «الحور العين»، ولا تلوم الشعب السعودي الذي أشعره المسلسل بالإهانة، فهي تتفهم مشاعره التي لامستها حين دخلت في صلب معاناة امرأة لبنانية قُتلت في الحادث الإرهابي الذي استهدف مجمع المحيا في الرياض قبل عامين. فخورة بعملها مع المخرج نجدة أنزور، على الرغم من بعض الثغرات التي شابت دورها، تعترف بأنها لم تستلم النص إلا قبل ساعات من التصوير، وبكل أسى تبدي شعورها بالإحباط بسبب الانفجارات التي ضربت الأردن قبل أيام وكأن الرسالة لم تصل. تقول «طالما أني لم ألعب دور بطولة حتى الآن، فأنا أبحث عن كاراكتير نافر، لأنه يعلق أكثر في ذهن الجمهور، ومعظم أعمالي أفتخر بها أكثر من دور عبير في مسلسل «الحور العين». نسألها: كيف تم اختيارك للعب دور عبير في مسلسل «الحور العين»، لا سيما وأنها التجربة الأولى لك في مجال الأعمال العربية ذات الإنتاج المشترك؟ - زميلي جهاد الأندري الذي لعب دور زوجي في المسلسل هو من رشحني للمخرج نجدة أنزور، فنحن زملاء من أيام الجامعة، وقد قدمنا أعمالاً مشتركة أكثر من مرة، ورأني في هذا الدور، ووافقت قبل أن أقرأ النص لأن جهاد وضعني في الصورة، وأخبرني أن المسلسل يتناول قضية الإرهاب في العالم العربي، وأننا سنمثل العائلات التي أصيبت جراء اعتداء إرهابي، وبغض النظر عن الدور، شعرت بالفخر لعملي مع الأستاذ نجدة. وبالمناسبة نحن مثلنا تلك العائلات المنكوبة ولم ندخل في خصوصيتها، لأن الجرح ما يزال ينزف، لذا لم نسم أسماء الأشخاص الذين قتلوا. جسدت دور المرأة الكئيبة، لكن المخرج لم يوضح سبب كآبتها وإن كنا استنتجنا أن السبب يعود إلى الحرب اللبنانية، فلماذا كان هذا التعتيم على الشخصية؟ - سئلت مراراً هذا السؤال وأجبت لكن أحداً لم يفهم تبريري، لا تنسي أن المسلسل سوري في إطاره العام، من كتابة وتصوير وإخراج وإنتاج، بالتالي لن ننتظر من مخرج سوري أن ينجح في تسليط الضوء على عائلة لبنانية أو أردنية، وحتى لو سلط الضوء، لن يدخل إلى تفاصيل تلك العائلات. نحن كنا نصور النص الذي كان لا يزال في طور الكتابة، بالتالي لم نقرأ النص كاملاً ولو تمكنا من قراءته، لكنا أضفنا بعض التفاصيل الهامة، في أسبوع واحد مثلاً صورّنا 36 مشهداً بينها 14 حفظناها في ليلة واحدة لم ننم خلالها، تخيلي أن النص كان مكتوباً ولم يكن مطبوعاً حتى. فلو أضفنا بعض التفاصيل من دون إهانة الكاتب أو المخرج لكنا نجحنا في إظهار الشخصيات بصورة أفضل. هل كان لديك مآخذ على النص عموماً؟ - كان لديّ مآخذ على الناحية الاجتماعية فيه، فكل عائلة كانت تحتمل تفاصيل أهم وأحداثاً أكثر، كي لا نقع في التكرار الذي وقع فيه المسلسل، مثلاً بعد أن عرفت عبير بخبر مرض زوجها، مر المسلسل مرور الكرام على هذه الحادثة، فقد كان بإمكان الزوجين أن يتحدثا أكثر عن هذه الناحية، عوضاً عن تكرار نفس الأفكار. أما عن خط الإرهاب والتطرف، فقد كان التركيز أكبر وتم الاهتمام بأدق التفاصيل. لماذا أظهر المسلسل العائلات بهذه الصورة السلبية، حيث بدا أفراد هذه العائلات مثقلين بمشاكل وعقد نفسية؟ - ربما كان الهدف أن يقال إن هذه العائلات بهمومها ومشاكلها، تعرّض لها الإرهاب من دون أن تقترف أي ذنب، بالنهاية هؤلاء أشخاص عاديون، والغربة تكشف عيوب العائلات، لكن لا أنكر أنه لم تتم الإضاءة على هذه العائلات، على الرغم من أن البرنامج اتسع لأفكار تم تكرارها أكثر من مرة. فمسلسل من ثلاثين حلقة يوقع المشاهد في الملل ما لم يكن غنياً بالأفكار والمواضيع الجديدة. على الأقل كان من الضروري أن تصوّر عائلة بمنظار طبيعي بعيداً عن الإطار العام الكئيب. لماذا كان للعائلة اللبنانية المساحة الأقل في المسلسل؟ - أنا استغربت الأمر، في السابق لم أكن استطيع الإجابة أما اليوم فأصبحت متعطشة أكثر لفتح موضوع العائلة اللبنانية. في ظروف التصوير، لم أكن أعرف مساحة دوري. يقال إن المسلسل كان بمثابة استراحة محارب لنجدة أنزور الذي عُرف بالأعمال الضخمة، ما رأيك؟ - عندما قيل لي إني سأعمل مع أنزور اعتقدت أن الإطار سيكون مختلفاً، لكن المسلسل كان منحى جديداً يسلكه المخرج الذي يستطيع أن يُبدع في الفن المعاصر كما أبدع في أعمال الفانتازيا. أشعر أنه مزيج من فنان نادر يستوعب كل المناهج الفنية ويتعطش للغوص فيها كلها، فضلاً عن ثقافته وشغفه بعمله رغم الصعوبات والانتقادات. لماذا لم يصدق الكثيرون أن هذا العمل يحمل توقيع أنزور؟ - لأنهم اعتادوا رؤيته في أُطر أخرى. أليس بسبب الأخطاء الإخراجية الكبيرة، خصوصاً في تصوير المجتمع السعودي، وبالاستعانة بممثلين سوريين لتصوير طلاب المدرسة والجامعة وطبيب المستشفى ومدير الشركة، والتي جعلت المشاهد يشعر أنه ليس في السعودية؟ - لكل عمل هفواته، كان العنوان بالنسبة لأنزور أهم من التفاصيل الصغيرة، رغم أنه اشتغل على أدق التفاصيل في إطار التحقيق. ما يهمنا جميعاً من هذا العمل هو أن نصل إلى نتيجة في محاربتنا للإرهاب، فأنا مثلاً أصبت بإحباط شديد بعد انجفارات الأردن الأخيرة، شعرت بأننا لم نقدم شيئاً، كنت أعتقد أننا نقدم فناً نحارب به الإرهاب، وها هو الإرهاب يضرب مجدداً. أعتقد أن المشهد الأهم في المسلسل كان في تفجير الشاب لسيارته في الصحراء بعد أن حرّر عقله وذهنيته من الإرهاب. العمل كله قائم على فكرة الإرهاب، بينما مشهد الانفجار لم يكن بالمستوى المتوقع، لماذا؟ - لأن المشاهد كان ينتظره من الحلقة الأولى، لذا لم يشعر بأنه بمستوى الحدث. لا أستطيع أن أدخل في هذه التفاصيل، كل ما أعرفه أن المشهد صوّر في طرطوس في سوريا. أنا لا أبيّض صفحة أحد فأي مخرج مهما يكن حجمه قد يقع في الأخطاء. لماذا لم يصوّر العمل في المملكة طالما أنه يتناول قضية حدثت هناك؟ - ربما لأسباب إنتاجية، نحن دعينا إلى سوريا لتصوير المشاهد التي كانت في إطار مجمع، والمجمع يمكن تصويره في أي بلد وليس بالضرورة في السعودية. لماذا لم يتقبل الجمهور السعودي وصحافته هذا العمل، لماذا شعروا بأن العمل يهينهم؟ - ربما لأنهم كانوا ينتظرون تفاصيل أهم، ربما أيضاً لأنهم شعروا أن العمل ليس لهم، هنا عليهم أن يفهموا شمولية الموضوع وأن الإرهاب عنوان، ونحن اشتغلنا على رمزية الموضوع أكثر من الخوض في التفاصيل. لذا كان مأخذي على تسمية البلد والمجمع ووزارة الداخلية، ولا أعطي صفة سعودية للعمل. كان على القصة أن تكون شاملة. الجمهور السعودي شعر بالمهانة حين سلط الضوء على عائلات عربية طيبة، وكأن السعودي الحاضر هو الإرهابي فحسب، على الأقل في الحلقات الأولى؟ - لا أبداً، فماذا عن شخصية المحقق الذي دار حوله العمل، وماذا عن الشيخ المثقف الواعي؟. أنا أمنح السعوديين كل الحق لأن من انتفض منهم هو الرافض للإرهاب، رافض أن يخترق الإرهاب مجتمعه الذي يعتبره مثالياً. عندما حصل الانفجار وحصلت تلك الخضّة الكبرى، كان الشعب السعودي من أول المستنكرين للإرهاب، وهذا العمل أعاد إلى أذهانهم ذكرى كانوا يفضلون نسيانها. العائلات التي تحدث عنها المسلسل كانت من خيال المخرج وهل تعمّقت أكثر في قضية مجمع «المحيا» قبل بدء التصوير؟ - بالعكس لم أحاول حتى معرفة تفاصيل عن المرأة اللبنانية التي قُتلت في المجمع، لأني في حال عرفتها لن أقدم العمل. ردة فعلي كانت شبيهة بردة فعل السعوديين حين شاهدوا العمل من ناحية الرفض لأن الحقيقة تجرح. الشخصيات في العمل كانت رمزية ولا تجسد الشخصيات التي سكنت المجمع، لذا كنت أفضل الابتعاد عن التسميات. إلى أي مدى تشجعين التطرق إلى مواضيع عربية شاملة في انتاجات فنية مشتركة؟ - أشجع التطرق إلى أكثر من موضوع اجتماعي وليس بالضرورة أن يكون الموضوع سياسياً، بالنهاية نحن عرب ومعاناتنا متشابهة رغم اختلاف التفاصيل. فقد شعرت بانسجام مع فريق العمل العربي، وشعرت بأن التعرف إلى هؤلاء الأشخاص هو ما خفف من وطأة ما كنا نمر به أنا وزميلي جهاد الأندري في تلك الفترة، فقد صادف تصوير المسلسل مع إقفال سوريا لحدودها البرية مع لبنان، حيث كانت الشاحنات تنتظر على الحدود، وكان الوضع مخيفاً فضلاً عن الشرخ في العلاقات بين اللبنانيين والسوريين، ما أشعرني فعلياً بالغربة، علماً أن السوريين الذين كانوا موجودين في العمل حاولوا طمأنتنا ولم يشعرونا بأننا مرفوضون، أشعر بالحزن بسبب هذه الحساسيات، وأشبهها بحال الوالد والعم اللذين يتناحران على قطعة أرض، ويدفع الثمن أبناء العمومة. الفن أقوى من أية حدود. ماذا عن مشاريعك الفنية الجديدة؟ - انتهيت حالياً من تصوير دوري في مسلسل «زهرة الخريف» مع الكاتب شكري أنيس فاخوري، وفيه أؤدي شخصية جديدة لم أؤد مثلها من قبل، كما أحضر لمسلسل جديد يحمل عنوان «السجينة» وهو يتناول موضوع العنف المنزلي.