رغم مرور 40 عاماً، لا يزال الكثير من الغموض يلف اختفاء القيادي المغربي المعارض المهدي بن بركة في وسط باريس في 29 تشرين الأول اكتوبر 1965، لكن اسرته قد تجد بعض المواساة عبر فيلم فرنسي خصص له وساحة ستحمل اسمه بدءاً من يوم الاثنين المقبل. فالمساعي القضائية المختلفة التي قامت بها أسرته، وتحديداً نجله بشير بن بركة، وهو أستاذ جامعي مقيم في فرنسا، لم تتح الكشف عن ملابسات هذه الحادثة التي ذكر أن خيوطها قد تتجاوز النطاق الفرنسي - المغربي وتمتد حتى إسرائيل. وحتى اليوم لم يعثر على أي أثر لجثة بن بركة، ولم يتم تحديد ظروف وفاته ومكانها، فتردد أنه دفن في أحد سجون المغرب بعد موته من جراء التعذيب، كما قيل ان جثته ذوبت بالأسيد بعد استجوابه في منزل يقع في ضاحية باريس. ووسط هذا الابهام الذي تعذر تبديده عبر الوثائق الرسمية المتوفرة بشأن قضية بن بركة لدى الجانب الفرنسي والخاضعة لما يسمى ب"سر دولة"، يتناول الفيلم ما هو معروف من وقائع في القضية. وأبرز هذه الوقائع هو اختفاء بن بركة ظهراً من أمام مطعم"ليب"الشهير الواقع في حي سان جيرمان الباريسي، نتيجة فخ أعدّ له من جانب الاستخبارات المغربية بالتواطؤ مع شرطيين ومجرمين مأجورين فرنسيين. واختار سيرج لوبيرون، الذي أخرج الفيلم تحت عنوان"شهدت مقتل بن بركة"، تناول القضية كما شهدها أحد المأجورين الذين لعبوا دوراً في إطارها ويدعى جورج فيجون. وكان فيجون هو الذي جذب بن بركة الى المطعم، حيث نظم له موعداً مع الصحافي فيليب برنييه والسينمائي جورج فرانجو اللذين كانا يعدّان فيلماً عن ازالة الاستعمار، لكنه بدلاً من تناول الغداء، استدرج الى سيارة اثنين من رجال الشرطة الفرنسية، ونقل الى منزل يعود لمجرم فرنسي آخر مأجور في ضاحية ايسون. وهكذا اختفى زعيم"اتحاد القوى الشعبية"المغربية، الذي أقام في باريس بسبب حكم بالإعدام صدر بحقه عن القضاء المغربي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني. وبعد بضعة أسابيع على اختفائه، صرح فيجون الى مجلة"اكسبرس"الفرنسية أنه شاهد وزير الداخلية المغربي الجنرال أوفقير يقتل بن بركة في المنزل الذي نقل اليه في ايسون. وأظهرت التحقيقات القضائية بشأن اختفاء بن بركة، أن موعد اختفائه تزامن مع وجود أوفقير ومدير الأمن العام المغربي أحمد دليمي في باريس، وأنهما كانا على صلة بعناصر في الشرطة والاستخبارات الفرنسية. وصدرت مذكرات توقيف بحق أوفقير ودليمي، إضافة الى 11 شخصاً آخرين، منهم المسؤول في الاستخبارات الفرنسية مارسيل لوروا - فينفيل وفيجون، الذي لم يدخل السجن، إذ عثر عليه مقتولاً في شباط فبراير 1966، وذكر رسمياً أنه انتحر. وأدت المحاكمة الى تبرئة دليمي وعدد من المعتقلين الفرنسيين، لكنها أنزلت بأوفقير عقوبة غيابية بالسجن المؤبد، ما شكل سابقة قضائية تستهدف وزيراً أجنبياً وتسبب بقطع العلاقات الفرنسية - المغربية لمدة سنتين. ويفترض في الفيلم أن يشكل نوعاً من رد الاعتبار للقيادي المغربي الذي ذهب ضحية عملية اجرام سياسي، ولم ينصف على مدى السنوات السابقة تخوفاً من انعكاسات قضيته على العلاقات الفرنسية - المغربية. وفي الإطار نفسه، يندرج القرار الذي اتخذه رئيس بلدية باريس برتران دولا نوي، الذي يدشن مساء الاثنين ساحة اطلق عليها اسم المهدي بن بركة، تقع على مقربة من مكان اختفائه في حي سان جيرمان. لكن أسرة بن بركة لن تعرف الراحة إلا بعد انتهاء التحقيقات التي طلبت وزارة العدل المغربية اجراءها مطلع الشهر الجاري بناء على مذكرة صادرة عن القاضي الفرنسي كلود شوكيه، وأعقبت قرار السلطات الفرنسية رفع السرية عن كل الوثائق المتوفرة لديها حول اختفاء القيادي المغربي.