صراع ضارٍ، تشهده الساحة السياسية في مصر على وقع الانتخابات البرلمانية التي ستنطلق أولى جولاتها في التاسع من الشهر المقبل. قراءة أولية في خريطة المتنافسين تكشف جانباً من هذا الصراع، وتنبئ بطبيعة التركيبة السياسية للبرلمان الجديد. وبداية ساهمت متغيرات عدة في إضفاء نوع من الجدية والسخونة على انتخابات هذا العام مقارنة بسابقاتها، في مقدمها أنها أول انتخابات نيابية في ظل التعديل"الطارئ"للمادة 76 من الدستور المصري الذي جرت إثره أول انتخابات رئاسية في البلاد في السابع من الشهر الماضي ما انعكس إيجاباً على ممارسة وأداء القوى المتنافسة. فضلاً عن كون التعديل الجديد يتيح للبرلمان المقبل لعب دور مؤثر في تحديد المتنافسين على المنصب الرئاسي في 2011، اذ أن التعديل الجديد يشترط حصول أي مرشح"مستقل"على تأييد 65 من أعضاء مجلس الشعب البالغ عددهم 454 عضواً، لخوض السباق الرئاسي، وخمسة في المئة للمرشح"الحزبي"، وهو ما يزيد بالتبعية من قيمة المقعد النيابي. كذلك جاء الإعلان عن تشكيل جبهة موحدة للمعارضة المصرية تحت مسمي"الجبهة الوطنية للتغيير"بهدف خوض الانتخابات بقائمة موحدة في مجابهة قائمة الحزب الحاكم"الحزب الوطني الديموقراطي"، ليزيد من سخونة الأجواء ويكسب الانتخابات قدراً من الصدقية والشرعية. وبعيداً عن"إيجابية"قرار المشاركة في حد ذاته، تعد جبهة المعارضة أول ائتلاف حقيقي، بهذا التنوع والاتساع تشهده الانتخابات في مصر. فعلى رغم حالات الائتلاف في 1987 وپ1990، فان الائتلاف هذه المرة أكثر اتساعاً وتمثيلاً، ويضم أطيافاً متنوعة من النخبة السياسية ما بين أحزاب وحركات اجتماعية وناشطين فضلاً عن التنسيق مع جماعة الإخوان المسلمين ذات الثقل الانتخابي. ويظل ما فعله الحزب الحاكم، باستبعاد أكثر من 2500 عضو من الترشح للانتخابات تحت راية الحزب، من بينهم كوادر وقيادات تاريخية في الحزب، أقوى المؤشرات على ضراوة المعركة الانتخابية. ما حدا بالبعض منهم إلى الترشح عن قائمة المعارضة، في إحدى مفارقات الحياة الحزبية في مصر. المتغير الأخير، كان دخول جماعة الإخوان على خط التنافس، من خلال إعلان قائمة"مبدئية"بترشيح 150 عضواً ورفض الدخول في قائمة واحدة مع جبهة المعارضة واقتصار التنسيق بين الطرفين على"ميثاق"شرف بعدم"المضايقة"في الدوائر المشتركة. دلالات عدة يمكن للمراقب أن يخرج بها من هذا الصراع القوي في الانتخابات المقبلة، لعل أولها أن التنافس بين المرشحين لا يقوم على أساس سياسي بقدر ما هو تنافس"مصلحي"وپ"شخصي"، فلم يعبأ أياً من المرشحين الذين فاق عددهم 4000 شخص يتنافسون على 444 مقعداً منتخَباً أن يضع برنامجاً سياسياً لخوض الانتخابات، باستثناء الحزب الوطني الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين، وبرامجهما متهالكة ولا تخرج عن حيز الشعارات المعتادة. وكان من المفارقات أن يعلن أحد أعضاء المعارضة أن الهدف من دخول الانتخابات بقائمة موحدة ليس الحصول على مقعد برلماني لتنفيذ برنامج للإصلاح والتغيير، بقدر ما هو محاولة لإحراج النظام وتعبئة الرأي العام ضد سياساته. ثانيها: أن الحزب الوطني لم يتعلم من تجربته في الانتخابات السابقة حين خسر غالبيته المعهودة في البرلمان حصل على 172 مقعداً فقط من إجمالي المقاعد وبنسبة بلغت 38 في المئة، ولم ينقذه سوى انضمام بعض المرشحين المستقلين وعودة"المنشقين"عنه الى صفوفه، الآن يعيد الحزب الخطأ نفسه، حيث قام بضم الكثير من الوجوه الجديدة للحزب في قائمته الانتخابية، معتمداً على إمكاناتهم المادية وروابطهم القبلية، في مقابل التخلي عن العديد من قياداته وشبابه ومتحدياً أبجديات العمل الحزبي من حيث قيم الشفافية والالتزام. ثالثها: أن الإخوان المسلمين، وللمرة الأولى في تاريخ مشاركاتهم السياسية، يخوضون هذه الانتخابات في العلن، أي باسمهم الحقيقي وليس تحت شعار"التيار الإسلامي"التي جرى استخدامه من قبل في الانتخابات السابقة، فضلاًَ عن ترفعهم عن الدخول في أي ائتلاف"انتخابي"أو صفقة"سياسية"مع أي من الأطراف المتنافسة سواء أحزاب المعارضة أو الحزب الوطني. وأقل دلالات هذا التحول أنه يعكس مدى القوة التي وصلت إليها الجماعة"المحظورة"رسمياً، يدعم ذلك ما أدلى به محمد حبيب نائب المرشد العام للجماعة أخيراً لإحدى الصحف المستقلة بثقته في فوز الإخوان بنحو 70 مقعداً من مقاعد البرلمان كحد أدنى. قد يبدو الأمر مغرياً ودافعاً لأي مراقب على التفاؤل في شأن هذه الانتخابات، وإمكان تأثيرها، إيجاباً، على التطور الديموقراطي في مصر، بيد أن العكس هو الصحيح، ذلك أن الصراع الدائر الآن على مقاعد البرلمان ليس صراعاً من أجل الديموقراطية أو إعلاء قيمها، بقدر ما هو محاولة لاستحضار"أشباهها". * كاتب مصري.