تشبه علاقة رئيس الولاياتالمتحدة جورج بوش بالرئيس السوري بشار الأسد علاقة القطة بسحلية عثرت عليها، وراحت تعبث بها الى ان تفقد الاهتمام بها وتتركها. ومنذ الحرب على العراق تحول الأسد محط عبث بوش المفضل. ونجح اخيراً في ان يرفعه الى مرتبة عدو من حجم صدام حسين، او من حجم الرئيس الإيراني على الأقل. ونجح نفخ الدور السوري الى حد بات واضحاً، اليوم، انه اذا كان من متهم بفشل الحرب على الإرهاب بالعراق فهو الأسد. وإذا كان ثمة من يهدد السلام الإقليمي فهو الأسد. وإذا كان هناك زعيم يؤدي خلعه الى انتهاء محن الولاياتالمتحدة في المنطقة، فهو كذلك ولا محالة الأسد. وهكذا تحول زعيم دولة يعتبره عدد من الزعماء العرب البارزين قليل الحيلة وتسمح الإدارة الأميركية بواشنطن لنفسها في الكلام بصوت مرتفع على اسقاطه ? تهديداً عالمياً خطيراً، وبات الكلام فيه يستحوذ على جمل كاملة في كل تصريح لبوش ولغيره. فعلى سبيل المثال، عندما زار الرئيس التركي واشنطن في شهر حزيران يونيو، لامه بوش على علاقاته الوثيقة بسورية، ودار شطر كبير من المحادثات بين بوش وفلاديمير بوتين على المشكلات التي يتسبب بها الأسد في العراق. وأقامت واشنطن صلة وثيقة بخصمها الفرنسي في الموضوع اللبناني، لأن فرنسا ابتعدت من الأسد. ومنذ اسابيع، يقوم موظفون اميركيون بتسريب اخبار عن مراقبة اداء الأسد. واليوم تبني واشنطن توقعات كبيرة على لجنة التحقيق الدولية برئاسة ديتليف ميليس، وموضوع تحقيقها هو اغتيال رئيس الحكومة اللبناني رفيق الحريري. والأسد قدم للرئيس حسني مبارك نسخة عن التحقيقات التي أجراها ميليس في سورية، ويظهر فيها، بحسب الأسد نفسه، ان نظامه غير متورط في مقتل الحريري. ولئن خرج الأسد من التحقيق ناصعاً كالثلج، فهو يبقى متهماً، والدليل هو الملف الأميركي ضده. فهناك من يسارع الى الرهان على سيناريوهات سلام مع سورية ما بعد الأسد، او يجادل فيمن يخلفه. وعلينا ألا نحبس انفاسنا. فقد يكون الأسد زعيماً ضعيفاً، ولا يتمتع بذكاء سياسي. ولكنه زعيم عربي. ولذا أسرع مبارك والملك عبدالله، ملك السعودية، قبل اسبوعين الى التصريح علناً بأنهما لن يسمحا بعزل سورية، وهذا ما فعلته ايران وروسيا. والحق ان ليس هذا مدار الأمر. فسورية ليست الأسد وحده. وفي سورية اليوم جماعات كثيرة يسرها سقوطه. وليست الجماعات هذه الزعامة التي يرغب فيها الغرب. وبينها على سبيل المثال، حركة الأخوان المسلمين المتشددة التي تنشط بسورية، وتلح في القيام بإصلاحات تسمح لها بالمشاركة في السلطة. ولرفعت الأسد، عم بشار، أطماع ومناصرون، وإذا سيطروا على الحكم فمن شأنهم ان يشكلوا خطراً اقليمياً اكبر بكثير من الخطر القائم. والخطر الحقيقي مصدره التنظيمات الراديكالية التي ينشط مثلها اليوم في العراق. وهذه تنظيمات تتطلع الى المشاركة في الحروب الداخلية، وترغب في بناء موقع لها في حال سقوط الأسد. ويمكن ان تتكرر تصفية الحسابات الدموية التي يشهدها العراق في سورية بين مؤيدي نظام البعث وبين من يريد ان يأخذ منهم السلطة. وثمة دور لأكراد سورية، والحرس الثوري الإيراني، والمنظمات الفلسطينية، في الحمى التي قد تنتشر. فعندما ينشأ صراع داخلي على السلطة، وتكون معظم الأطراف مسلحة، تصبح عرقنة سورية امراً غير خيالي. ومن المحتمل حينئذ ان تستيقظ الحدود المسترسلة في سبات من جديد. ومن المفترض بالنموذجين، الأفغاني والعراقي، ان يوضحا ما الذي يحدث في حال جرى اصلاح النظام من الخارج. ولكن كيف من الممكن التخلي عن تسلية سهلة الى هذا الحد؟ عن تسفي برئيل، هآرتس الإسرائيلية، 9/10/2005