عرف العراق أمس، أسوأ أيامه وأكثرها دموية منذ الغزو الأميركي قبل عامين، فسقط حوالي ألف قتيل معظمهم من النساء والأطفال في تدافع للزوار الشيعة الذين قدموا من أنحاء البلاد لاحياء ذكرى مقتل الامام موسى الكاظم، على"جسر الأئمة"شمال بغداد، بعد انتشار شائعات عن وجود"انتحاريين"بينهم ينوون تفجير انفسهم، أعقبت قصفاً استهدف مرقد الكاظم، تبنى تنظيم قريب من"القاعدة"المسؤولية عنه، ما أرغم مئات الزوار الى القفز في نهر دجلة خوفاً من الدهس بالأرجل، ليموتوا غرقاً. ولم تقف المأساة عند حادث التدافع، اذ سبقها قصف بصواريخ"كاتيوشا"وقذائف الهاون في المنطقة ذاتها، أودى بحياة سبعة عراقيين، في حين"قُتل 25 شخصاً آخر بالتسمم". وبعدما وصلت حصيلة ضحايا هذه الحوادث مجتمعة ليلاً الى 848 شخصا معظمهم من النساء والاطفال، أكد مصدر طبي ل"الحياة"أنها ستتجاوز الألف مع انقضاء الليل فيما يتواصل انتشال الجثث من نهر دجلة. وأعلنت جماعة متطرفة غير معروفة تدعى"جيش الطائفة المنصورة"في بيان نُشر على الانترنت أنها كانت وراء هجوم بقذائف"مورتر"قتل سبعة اشخاص قبل وقوع التدافع. وجاء في البيان أن مقاتلي هذه الجماعة قصفوا"معقل الشرك ووكر المرتدين من الرافضة في منطقة الكاظمية بقذائف الهاون والكاتيوشا رداً على فعلتهم الشنعاء الا وهي الشرك بالله سبحانه تعالى، وكذلك على عمليات القتل الجماعي التي يتعرض لها أهل السنة والجماعة". لكن وزيري الداخلية باقر صولاغ بيان جبر والدفاع سعدون الدليمي سارعا الى النأي بالحادث عن أي بعد مذهبي، على رغم اتهام سياسيين شيعة بينهم مستشار الأمن القومي موفق الربيعي والنائب جواد المالكي"صداميين وزرقاويين"بالوقوف وراء المجزرة. لكن صولاغ اعتبر أن هناك أمثلة كثيرة على مثل هذا الحادث كالتدافع في موسم الحج لدى رمي الجمرات وغيره، عازياً العدد الكبير للضحايا الى عدم قدرة"الكاظمية"على استيعاب مليون ونصف المليون زائر. وقدم رئيس الوزراء العراقي ابراهيم الجعفري تعازيه للعراقيين، وأعلن الحداد العام ثلاثة أيام، في حين اعتبر الرئيس العراقي جلال طالباني ان"فاجعة كبرى"ألمت بالعراقيين. الى ذلك، أجمعت القوى والشخصيات السنية الرئيسية على"التضامن"مع الضحايا واعلان الأسف لمقتلهم، ودعا مجلس علماء الدين السنة في مدينة الفلوجة أهالي المدينة الى التبرع بالدم لانقاذ الجرحى. وقال الشيخ عبدالحميد الجدوع، إمام وخطيب جامع الفرقان في شمال المدينة:"نعتبر ما حدث مصاب العراقيين جميعاً وليس الشيعة فقط". وبالفعل، توجه مئات من أهالي الفلوجة الى أربعة مساجد رئيسية للتبرع بالدم. وكان آلاف الرجال والنساء والشيوخ والأطفال بدأوا بالتوافد منذ الصباح الى ضريح الإمام الكاظم شمال العاصمة من بغداد وجميع المدن الشيعية الجنوبية سيراً على الأقدام رافعين رايات سوداً وحمراً وخضراً. وأغلقت قوات الأمن الطرق السريعة المؤدية الى هذا المرقد، فيما نصب رجال الشرطة والجيش نقاط تفتيش وحواجز. كما نُصبت عشرات السرادق على الطرق المؤدية الى المرقد حيث وزع كثير من الأشخاص المياه والطعام والتمر والعصائر على الزوار. واتخذت الكارثة منحى سياسياً تمثل في مطالبة وزير الصحة العراقي عبدالمطلب محمد علي القريب من مقتدى الصدر باستقالة وزيري الدفاع والداخلية العراقيين، محمّلاً اياهماً المسؤولية عن الحادث. لكن رئيس الوزارء العراقي ابراهيم الجعفري استنكر خلال مؤتمر صحافي عقده مع السفير الأميركي في بغداد زلماي خليل زاد الاتهامات التي وجهها وزير الصحة الى زميليه، قائلاً:"أقدر جهود الأخ وزير الصحة، لكن لا يمكن أن أرضى بتبادل اتهامات عبر شاشات التلفزيون"بين وزراء الحكومة ذاتها. وفي غضون ذلك، عقدت"هيئة علماء المسلمين"مؤتمراً صحافياً اتهمت فيه الحكومة بتنفيذ مجزرة أهالي الدولعي الحرية. وقال رئيس المؤتمر العام لأهل السنة عدنان الدليمي ان الحكومة الحالية فشلت في كل شيء، فلم توفر خدمات جيدة وعجزت عن حفظ الأمن بل بدأت تمارس الاجرام بحق أبناء شعبنا الأبرياء. وتساءل عن كيفية قيام هذه العناصر بجريمتها في أوقات منع التجول وبسيارات الشرطة، معتبراً أن الحكومة إما مشتركة أو متواطئة معهم !.