قد يكون من المنطقي حسبان فيلم"الاسكندر"لأوليفر ستون وهو أحد آخر الأفلام الكبيرة التي عرضت - في الولاياتالمتحدة جماهيرياً، وفي بعض المناطق الأخرى مهرجانياً أو في مناسبات صحافية - عند نهاية العام 2004 ضمن اطار السينما التاريخية، على غرار"طروادة"و"الملك آرثر"وغيرهما من أفلام اعادت متفرجي السينما قروناً عدة الى الوراء... غير ان من يعرف سينما أوليفر ستون جيداً، ومن يشاهد الفيلم سيدرك بسرعة أننا لسنا هنا أمام شريط تاريخي صرف... بل نكاد نكون أمام عمل شديد المعاصرة لأن ستون حاول أن يغوص من خلاله في هواجسه من حول مفهوم السلطة، على غرار ما كان فعل في"ج.ف.ك"ثم بخاصة في"نيكسون"، فيلميه الكبيرين اللذين ساهما في تأسيس بعض قوانين سينما السيرة، روائياً، ثم في"غير مرغوب به"عن عرفات و"الكومندانتي"عن كاسترو - وهذان الأخيران ينتميان في الآن عينه الى السينما التسجيلية. ومن هنا أطل ستون على"الاسكندر"بحذق ومعاصرة مقدماً شخصية اشكالية تطرح من حولها تساؤلات عدة وتثير سجالات وليس فقط حتى حول مثلية الاسكندر الجنسية كما حاول بعض الصحافة أن يوحي. و"الاسكندر"في مجال سينما السيرة، اتى تتويجاً لعام، ظهرت فيه في سينمات عالمية عديدة، عشرات الأفلام التي تحدثت عن أنواع معينة ومتنوعة من كبار الأشخاص الذين عرفهم التاريخ ولا سيما التاريخ المعاصر - أي تاريخ القرن العشرين - وليس في مجالات السياسة أو القيادة العسكرية فقط. فمن فيلم عن حياة الممثل الانكليزي الكبير الراحل بيتر سيلرز، الى آخر عن حياة الموسيقي كول بورتر، الذي اشتهر عند أواسط القرن العشرين في برودواي وفي هوليوود، الى أفلام تناولت حياة السينمائي الفرنسي هنري لانغلو، والممثلة ماريا شل حققه أخوها ماكسيليان شل، وصولاً الى يوسف شاهين الذي أرخ لجزء كبير من مساره السينمائي في"الاسكندرية - نيويورك"، عرفت السينما كيف تؤرخ لنفسها ولتاريخها، متساوية في هذا مع السياسة التي أطلت، من خلال فيلم - خيالي - عن"اغتيال ريتشارد نيكسون"مثله بروعة شين بين، كما أطلت من خلال فيلم عن سلفادور اللندي، وآخر عن رحلة تشي غيفارا، في بلدان أميركا اللاتينية على متن دراجة بخارية مع صديق له، وهي الرحلة التي أثارت نقمة غيفارا - كما يروي هو نفسه في نص عن الرحلة كتبه باكراً واستند فيلم والتر ساليس اليه لكتابة السيناريو - وحولته من ابن عائلة بورجوازية يدرس الطب في هدوء الى الثائر الذي نعرف. ترى ألا يمكننا هنا حسبان أفلام مثل"التربية الفاسدة"لبيدرو المودافار، و"1 على 10"و"خمسة"لعباس كياروستامي في السياق نفسه طالما أنها أفلام تقدم جزءاً من سيرة أو تأملات مخرجين على سيرتهم؟ يقيناً ان أفضل ما يمكننا أن نقول هنا هو أن بعض أبرز وأهم مخرجي زمننا هذا، اختاروا الغوص في حياتهم الشخصية، كما في حياة أشخاص عرفوهم أو سمعوا بهم، لكي يحاولوا القاء نظرة جديدة، ليس فقط على الأزمان التي تولي، بل على الأزمان الراهنة، من منطلق ان التاريخ نفسه - وخصوصاً تاريخ الأشخاص الذين فعلوا في زمنهم - انما هو الوسيلة المثلى لفهم الزمن الذي تعيش فيه. ومن هنا بدا من الصعب جداً رواية حياة شخص ما - كان له دور في تاريخ معين - على الشكال المحايد البريء الذي كان، في الماضي، من سمات تعامل فن السينما مع مفهوم السيرة. المهم في الأمر أن اقبال المتفرجين على هذا النوع من الأفلام، ساهم في فتح الطريق أكثر وأكثر في اتجاه بروز أفلام اضافية من هذا النوع خلال الفترة المقبلة، إذ - حتى من دون أن نسعى الى استباق الحديث عن أفلام العام 2005 - يمكننا منذ الآن أن نقول إن فيلم مارتن سكورسيزي عن المنتج هوارد هيوز "الطيار"من بطولة ليوناردو دي كابريو، والفيلم الذي يحقق حالياً عن حياة المغني الأسود الضرير راي تشارلز من بطولة جيمي فوكس، والفيلم الموسيقي الآخر عن حياة مغني"الترفانا"المنتحر كورت كوبين، سنكون بعض أبرز عروض المرحلة المقبلة... وربما سينسحب هذا الكلام كذلك على فيلم يحقق عن مارتن لوثر، وآخر - ثان - عن تشي غيفارا، وثالث عن"الاسكندر"هو هذه المرة من بطولة ليونارد دي كابريو، واخراج باز ليرمان، وآخر أيضاً عن واحدة من بطلات مقاومة الغزو الأبيض لحضارات الهنود الحمر في أميركا الجنوبية... من بعض ما سيعرض - في السياق نفسه - خلال المرحلة المقبلة. فهل يمكننا والحال هذه، أن نختتم هذا الكلام عن سينما"السيرة"من دون أن نشير مجدداً الى فرنسا التي تترقب، بكل وجل، عرض الفيلم الذي يحققه روبير غديجيان عن حياة فرانسوا ميتران؟ طبعاً لا يزال الوقت، هنا، أبكر من ان يتيح لنا الحديث عن هذه الأفلام الأخيرة، إذ ان مكان هذا الحديث هو السباق المسابر لأغوار العروض المقبلة، ولكن من الصعب هنا الفصل بين ما يعرض وما سيعرض، لأن المهم في الأمر هو الظاهرة واستشراؤها... وهذه الرغبة المتجددة لدى الجمهور في القاء نظرة جديدة - تلصصية الى حد ما - على حيوات المشاهير، منظوراً اليها عبر مرشح مبدعي زمننا هذا. وإذا كان لنا ان نختتم هذا السياق بسؤال، من المؤكد ان السؤال سيطاول رغبات عربية كثيراً ما عُبّر عنها في هذا المجال، ولكن من دون أن تتحقق... هو سؤال يتعلق بمشروع برهان علوية عن"جبران خليل جبران"ومشاريع لا تنتهي تحدثت عن شريط عن حياة أسمهان، وآخر عن حياة مي زيادة، وحتى اليوم لا يبدو في الأفق ما يشير الى ان هذه المشاريع في طريقها حقاً الى التحقق. فقط يمكن أن يكون فلتة الشوط فيلم مصري عن حياة"عبدالحليم حافظ"يقال دائماً ان أحمد زكي سيمثله... أو فيلم عن حياة هدى شعراوي... فإلى متى ستبقى مثل هذه المشاريع في الانتظار؟