لعل الأمر الذي يدهش أكثر من أمور السينما مجتمعة، هو أن الفن السابع لم يهتم حتى الآن، جدياً، بواحدة من الشخصيات الأكثر بطولة واثارة للجدل واحتفاءً بالفردية في تاريخ البشرية: شخصية الاسكندر المقدوني. فهذا القائد العسكري والسياسي الذي افتتح البطولات البشرية، والذي يمكننا اعتباره اليوم "العولمي" الأول في تاريخ الانسانية و"العلاقات" بين الدول، لم يلفت نظر أهل السينما وغاب دائماً عن الشاشات، في شكل مثير للتساؤل. حسناً، في 1955 حقق روبرت روسن فيلماً عن الاسكندر، لكن بطله ريتشارد بورتن تبدى ممثلاً هوليوودياً أكثر منه بطلاً مقدونياً، وتبرز شخصيته جديرة بدراسة فرويدية تطاول علاقته الصعبة بوالده فيليب. وحسناً، أيضاً، كان هناك فيلم "الكسندر الكبير" أو ميغالألكسندروس لليوناني ثيو انغلوبولوس، لكن هذا لا يشارك فاتح العالم في العصور القديمة" إلا في اسمه، لأنه هنا في الفيلم اليوناني، كان مجرد قاطع طريق على نمط روبن هود، أيام كومونة باريس... لا أكثر. عدا عن هذا، بالكاد أن يعثر للاسكندر المقدوني على أثر. من هنا يبدو مفاجئاً أن تهتم السينما الأميركية حالياً بابن فيليب المقدوني، وتلميذ أرسطو كان يقال انه لا ينام إلا بعد أن يقرأ صفحات من أستاذه. والاهتمام مثلث، وهذه مفاجأة أخرى. وهو في واحد من ضلوعه الثلاثة ذو علاقة بالمغرب. وهذه مفاجأة ثالثة. والحكاية هي ان هناك الآن ثلاثة مشاريع عن الاسكندر المقدوني تنمو وربما تتحقق، أو يتحقق اثنان منها، في وقت واحد: مشروع للمنتج دينودي لورانتس، صاحب حقوق سيرة وافية للاسكندر صدرت قبل سنوات. فلورانتس أعلن اختيار الاسترالي باز ليرمان صاحب "مولان روج" ليحقق مشروعه الذي نال وعداً بعون جدي من العاهل المغربي الملك محمد السادس، ما يعني ان الفيلم سيصور في المغرب. ويأمل دي لورانتس وليرمان أن يبدأ التصوير في بداية العام المقبل. فهل لأنهما يريدان أن يسدا الطريق على مشروع منافس؟ أجل... على الأرجح، ذلك أن أوليفر ستون صاحب "ج. ف. ك" و"قتلة بالفطرة" لديه هو الآخر مشروع عن سيرة الاسكندر، واختار كولن فاريل لبطولته. وستون أعلن أنه سيبدأ التصوير خلال أسابيع. فمَن يقطع الطريق على مَن؟ ربما كان الاثنان قطعا الطريق على المشروع الثالث، مشروع مارتن سكورسيزي صاحب "عصابات نيويورك" الذي سيعرض قريباً. فسكورسيزي أعلن قبل شهور أن لديه، هو الآخر، مشروعاً عن الفاتح المقدوني الذي احتل نصف آسيا، وأسس مدناً تحمل اسمه في كل مكان تقريباً، وافتتح زمن الانسانية المتلاقحة، ثم مات هادئاً قرير العين. وكان سكورسيزي أكد ان اسكندره لن يكون سوى ليوناردو دي كابريو، لكنه يبدو الآن كما لو أنه أجّل مشروعه، طالما انه ينطلق مع دي كابريو نفسه في مشروع عن سيرة حياة هوارد هيوز، المنتج الأسطورة... في خضم هذا كله، ها هي هوليوود تهتم أخيراً بمن أهملته طويلاً... وفي شكل جماعي. فهل يحق لنجم سينمانا العربية يوسف شاهين أن يفاخر الجميع بأن "سبقهم" وأدخل شخصية الاسكندر، على طريقته على الأقل، في فيلمه "اسكندرية كمان وكمان" قبل سنوات؟ ربما.