خليط من المشاعر ينتاب من يقف أمام الصراف الآلي هذه الأيام في تركيا، فإما أن يشعر بالترقب والفضول وهو ينتظر أن تلد له تلك الآلة أول أوراق نقدية يراها من فئة الليرة التركية الجديدة، أو أن يشعر بصدمة حين يفاجأ بأوراق نقدية جديدة تشبه تلك القديمة التي اعتاد عليها لكن ينقصها ستة أصفار، ان كان قد نسي أن عملة تركية جديدة تم طرحها في الأسواق مع بداية السنة الجديدة لاستبدال الليرة القديمة التي أعجزت أصفارها الكثيرة أمهر المحاسبين والاقتصاديين في التعامل معها. الليرة التركية الجديدة هو اسم العملة الجديدة التي تراهن الحكومة التركية اثبات قوتها مع الأيام وأنها ستمحو من الذاكرة ما مضى من قصص التضخم والعدد اللامحدود من الأصفار الذي تضطر الحكومة الى اضافته الى أرقام موازنتها العامة، لدرجة كان يصعب معها قراءة أرقام الموازنة العامة أو كتابتها. حلم طرح ستة أصفار من العملة التركية يعود الى عام 1996، لكن الوضع الاقتصادي الذي لم يعرف الاستقرار في تركيا حتى عام 2002 حال دون تحقيقه، والحكومة ترى اليوم ان اقتصادها على درجة من الاستقرار يمكنها من خوض مغامرة طرح عملة جديدة، بل ان الليرة التركية الجديدة ستسهم حسب قول المسؤولين الأتراك"في تقوية الاقتصاد التركي وترفع من قيمة الليرة في الأسواق العالمية، خصوصاً في وقت يتراجع فيه سعر الدولار". إلا ان المواطن التركي، الذي يحاول حالياً التأقلم مع العملة الجديدة، لا يكاد يشعر بفوائد هذه الخطوة على صعيد المستوى الشخصي. مثال ذلك ظافر كوجا أوغلو الموظف في احدى الشركات الاستثمارية الذي قال ل"الحياة"انه يشعر انه أكثر فقراً اليوم، اذ تعود كغيره على أن يكون بليونيراً، اذ ان مرتبه الشهري الذي يتجاوز سابقاً مبلغ البليون ونصف بليون ليرة، تحول اليوم الى ألف وخمسمئة ليرة تركية جديدة، صحيح ان القيمة الشرائية لم تختلف، إلا أن وقع الرقم القديم في الأذن يختلف كثيراً، خصوصاً أن الأسعار ستبقى تسجل بالعملتين القديمة والجديدة معاً حتى بداية السنة المقبلة موعد نهاية التعامل بالليرة القديمة، فشتان بين راتبه القديم الذي كان يتألف من 75 ورقة نقدية من فئة العشرين مليون أكبر فئة نقدية قديمة، وبين مرتبه الجديد الذي يتألف من 15 ورقة نقدية فقط من فئة المئة ليرة جديدة. ومع وجود عملتين معاً في السوق طوال السنة فإن وقوع أخطاء حسابية وارد، خصوصاً مع الفارق الكبير في الأرقام، ومع ظهور فئتي الخمسين ليرة والمئة ليرة اللتين لا يوجد لهما مقابل في العملة القديمة، فالمليون ليرة القديمة تساوي ليرة واحدة جديدة، وما دون ذلك ينزل الى مستوى القرش الجديد الذي ظهر مجدداً للتداول بعدما نسيه الجميع. وان كانت عودة ظهور القرش الى السوق تعيد كبار السن الى حنين ذكرياتهم السابقة، حين كان الدولار يساوي ليرتين تركيتين وثمانية قروش فقط عام 1950، إلا أن غالبية كبار السن يرفضون حتى الآن التعامل بالعملة الجديدة خوفاً من الوقوع في الخطأ.