عندما فازت تونس بشرف تنظيم بطولة العالم لكرة اليد للرجال، أو ما اصطلح على تسميته هنا ب"مونديال كرة اليد" كان الاعتقاد السائد آنذاك أن تونس قادرة على انجاح هذه البطولة في دورتها ال 19 واتيحت لها الفرصة على رغم منافسة ألمانيا. ومنذ ذلك التاريخ 24 تشرين ثاني نوفمبر 2003 بدأت اللجان تعمل إلى ساعة الصفر يوم الافتتاح 23 كانون الثاني يناير 2005، وجاء الموعد ليجد الجميع ومنذ حفل الافتتاح البسيط والهادف، أن تونس الدولة العربية قادرة مثل غيرها من الدول الكبرى على تنظيم بطولات عالمية، وتوفير ظروف النجاح لها بكفاءات وكوادر وطنية، وهذا هو الانطباع السائد لد أعضاء الوفود المشاركة منذ بداية البطولة. لكن الوصول إلى هذا النجاح، استدعى توفير موارد مادية وبشرية وتقنية ضخمة تضمن لضيوف تونس إقامة مريحة ومنظمة فكيف تم ذلك؟ متطوعون منذ حفلة الافتتاح بلوحاتها الراقصة والمشاهد المعربة عن رسالة تونس إلى كل العالم التي تدعم التسامح والتفتح بين الشعوب، بدا واضحاً حجم الموارد البشرية التي تطوعت حباً لوطنها قصد انجاح هذه البطولة العالمية، ومن بين 2500 متطوع ينشطون في هذا المونديال شارك بضع مئات في حفلة الافتتاح، رجالاً ونساء أطفالاً وكهولاً، وزينت اللوحات الراقصة بمشاركة 19 ممثلاً محترفاً من نجوم التمثيل في البلاد. الخدمات الصحية حتى تكون البطولة في صحة جيدة ويجد المشاركون العناية اللازمة اعتني بالخدمات الصحية والطبية، بتوفير 72 طبياً و389 ممرضاً وأختصاصيين للعلاج الطبيعي، تدعمهم 90 سيارة اسعاف وطائرتان عموديتان ومخبر لمكافحة المنشطات لتحليل العينات التي ستعرض عليه، ويعتبر الأول عربياً والثاني افريقياً. الإعلام ونظر لأهمية هذه البطولة، وصل عدد الاعتمادات الصحفية لتغطيتها 1357 اعتماداً من بينها 680 للصحافيين الأجانب، وهذه الأرقام تؤكد أن تونس حطمت الرقم القياسي من حيث التغطية الإعلامية، إذ لم يصل اهتمام الاعلاميين بهذه البطولة إلى هذا العدد من قبل. وضمن هؤلاء نجد 47 قناة تلفزيونية أوروبية حاضرة للتغطية. لكل هؤلاء توافرت الأجهزة الحديثة للنقل الاذاعي والتلفزيوني والمراكز الصحفية المجهزة ومنصات الاعلاميين للصحافة المكتوبة، وجيش من المرافقين الساهرين على راحة العاملين على توفير المعلومات المطلوبة والوثائق المساندة لعملهم، إضافة إلى توفير وسائل النقل من وإلى الملاعب والفنادق، وتوفير إقامتهم في فنادق من طراز رفيع في المناطق السياحية التونسية المختلفة. وفي الطراز نفسه من الفنادق الفخمة كانت إقامة الوفود المشاركة في مدن، مثل الحمامات وسوسة ونمرت وصفاقس. 18 شهراً وتظهر مردودية كل ذلك على الملعب، لذلك اهتمت تونس بالصالات التي احتضنت هذه البطولة، وأهمها وأكبرها، صالة رادس التي تعتبر مكسباً مهماً للرياضة التونسية إذ شيدت في غضون 18 شهراً فقط، بتكلفة قدرت ب44.5 مليون دينار تونسي في المدينة الرياضية في رادس التي احتضنت ألعاب المتوسط 2001 وتبلغ مساحة هذه الصالة 3 هكتارات وهي مجهزة بكل التجهيزات العصرية الممكنة من حيث الاضاءة والصوت والتهوية، وبطاقة استيعاب تقدر ب12 ألف مقعد ويمكن أن تصل إلى 14 ألفاً عند الحاجة، وتضم مدرجاتها 499 مقعداً لكبار الضيوف ومنصات خاصة، بها 64 مقعداً، اضافة إلى المنصة الرئاسية. اضافة إلى المنصة هناك مركز للطب الرياضي وقاعدة تحرير خاصة بالصحافيين ومنصة للصحافيين و68 مكاناً مخصصاً للنقل الاذاعي والتلفزيوني، وكذلك الارضية المتميزة للملعب، من حيث النوعية والألوان وبالتوازي مع هذه الصالة هيئت وصينت أربع صالات أخرى في نايل والمنزه تونس وسوسة وصفاقس، بكلفة إجمالية ناهزت 3 ملايين دينار لتكون مطابقة لمواصفات كراسي الشروط التي يعرضها الاتحاد الدولي، وترتفع طاقة استيعابها مجمعة إلى أكثر من 5 آلاف متفرج. هكذا أعدت تونس العدة لهذه التظاهرة الرياضية، وها هو المنتخب التونسي يتفاعل مع هذا الانجاز الوطني وإذا به يسير بخطى ثابتة في بداية هذا المونديال، وأملنا أن يواصل في هذه الاتجاه لتقترن روعة التنظيم المادي والبشري والتقني بروعة الأداء الفني على الميدان.