عادت البسمة لترتسم على شفاه التونسيين، فبعد موسم صعب لدوري مملل وكئيب الى غياب عن منصة التتويج عربياً ودولياً، ابتسم الحظ لتونسيين فضمنوا تأهلهم لنهائيات كأس أمم أفريقيا وكأس العالم 2002 لكرة القدم. وانتعشت بورصة لاعبيهم في سوق الانتقالات الدولية لعل أبرزها التحاق لاعب الصفاقسي الدولي حاتم الطرابلسي بأياكس امستردام الهولندي. وبعيداً من لعبة الحظ وتقلبات كرة القدم فإن ترقباً تلمسه في عيون التونسيين، وسعادة في انفسهم نظراً لاحتضان بلادهم للمرة الثانية في تاريخها، الدورة ال14 لألعاب البحر الأبيض المتوسط في عيدها الخمسين، والأولى في الألفية الثالثة. وهذا الترقب وهذا الفرح الغامر يبرره حجم الاستثمارات المالية والبشرية التي سخّرتها تونس لإنجاح هذه الألعاب، وكأن هذا البلد الصغير في حدود الجغرافيا والعميق في جذور التاريخ وذكاء أهله يستعد لاحتضان الألعاب الأولمبية. ومن أجل رصد المشهد العام تونسياً عشية الألعاب المتوسطية كان ل"الحياة" لقاء مع صلاح الدين الدريدي رئيس لجنة الإعلام ل"تونس 2001". ويعد الدريدي 47 عاماً من كبار أساتذة الإعلام والاتصال في الجامعة التونسية. لم "يحترق" بمتاهات أسئلة جيله جيل السبعينات، فآمن بأهمية الاستثمار في العلم والانحياز للوطن. وبعد حصوله على الدكتوراه من جامعة السوربون العريقة تدرج في المسؤوليات الإعلامية ومن بينها ادارته لصحيفة "لورنوفو" لسان الحزب الحاكم باللغة الفرنسية، حيث ذلك الخيط الرقيق ما بين الالتزام والحرفية في معادلة صعبة وسط عالم اتصالي منفتح ومتشابك. ركب الدريدي قطار الألعاب المتوسطية في مجالها الإعلامي منذ خمسة أشهر فقط ولكنه شديد الإيمان بنجاح تونس في تسويق هذه الألعاب لضخامة البنية التحتية المنجزة وتقاليد شعب تونس المضياف، وأهم من ذلك تلك الإرادة السياسية التي تبدأ من أعلى هرم السلطة لضمان أفضل ظروف الامتياز والتألق على الواجهات كلها. متعة الجهد المبذول كيف يبدو المشهد العام في لجنة "تونس 2001" قبل نحو شهر من بداية الألعاب المتوسطية؟ - هناك ضغط، ولكن فيه لذة لا تقاس. فنحن بصدد الاعداد لعرس متوسطي عربي وعالمي. العولمة حطمت الحدود وهذه القرية الالكترونية ستجعل من العرس المتوسطي الذي ستكون تونس مسرحاً له فرجة وفرحة لشباب العالم كله. لدينا مشاعر داخلية تمتزج فيها لذة العمل والشعور بخوف ايجابي ولذة الفرح بالنجاح ان شاء الله. وإذا ما تجاوزنا المشاعر الوجدانية نقول بأن جهوزية المنشآت التي ستحتضن الألعاب قاربت نسبة المئة في المئة. فملعب "7 نوفمبر" لكرة القدم في رادس والذي شهد الدور النهائي لكأس رئيس الجمهورية جاهز لاحتضان الافتتاح خصوصاً واننا قمنا بعملية بيضاء مناورة وقفنا من خلالها على نقاط القوة ومكامن الضعف، في ما يتعلق بالاستقبال وتوفير أفضل شروط السلامة. كما ان مضمار ألعاب القوى جاهز لاحتضان أية تظاهرة رياضية من مستوى عالمي بشهادة الاتحاد الدولي للعبة. وكان تنظيم كأس تونس لألعاب القوى مناسبة اطلعتنا على جاهزية هذا المرفق وخصوصاً من حيث الإعلان عن النتائج، وقد أكدت مؤسسة أوميغا للتوقيت نجاح التجربة. المركب المائي وهو الضلع الثالث في دورة المتوسط والمؤلف من الحوضين الأولمبيين المكشوف والمغطى وكذلك حوض الاحماء، جاهز لاستقبال ابطال السباحة. وبذلك يكون هذا الثلاثي المؤلف من ملعب كرة القدم ومضمار ألعاب القوى والمركب المائي مفخرة لشباب تونس، تونس العهد الجديد. أما القرية المتوسطية والتي تشمل على 1007 شقق من بينها 7 شقق للمعوقين، فقد أعدت لاستقبال 4500 رياضي إضافة الى مرافقيهم ومستمدة تصميمها وفق العمارة التونسية الأصيلة وطليت باللونين الأبيض والأزرق ألوان المتوسط. وقامت اللجنة المنظمة بعملية تثبت من جاهزية هذه القرية عبر الاقامة فيها وتشغيل مرافقها كافة من انارة ومياه ومكيفات وتهوئة إضافة الى وسائل الاتصال. وأدخلنا دبيب الحياة فيها وبتنا في انتظار استقبال الضيوف. أما على مستوى المحافظات فقد استعدت مدن بنزرت وسوسة وصفاقس العريقة بتقاليدها السياحية واشعاع انديتها الرياضية لاحتضان مسابقتي كرة القدم. في حين تجملت نابل والحمامات لاحتضان مسابقات كرة السلة والغولف. وأريد ان ألفت النظر الى ان الرئيس زيد العابدين بن علي، شدد لدى استقباله رئيس اللجنة المنظمة للدورة الحبيب عمار على ضرورة توفير أفضل ظروف الاستقبال والاقامة والنقل وكذلك الترفيه والسياحة للرياضيين والإداريين والإعلاميين كافة. وهو استقبال يعكس صورة تونس وشعبها المضياف. تطور ما هي استعدادات واستراتيجية لجنة الإعلام لضمان تغطية اعلامية ترتقي لمستوى الحدث وحجم الاستثمارات التونسية؟ - في البدء أريد ان أشير الى ان تونس مدركة لحجم التحديات الإعلامية خصوصاً وان الألعاب المتوسطية تعد أهم تظاهرة رياضية ما بين دورتين أولمبيتين حيث ستجمع دورة تونس 23 بلداً من ثلاث قارات. كما ان التطور العام للرياضة دولياً، سيدفع بهذه الألعاب للخروج من نزعتها الاقليمية الى الآفاق العالمية. ويتجاوز اشعاع هذه الدورة الضفة الشمالية من حوض المتوسط الى الضفة الجنوبية بحكم سعي دول الجنوب لإثبات ذاتها وتعزيز مكاسبها. وقد راهنت تونس على أعلى مستوى لإنجاح هذه الدورة عبر استراتيجية تسويق مغاربية وعربية ودولية. فقد قامت رئاسة اللجنة بزيارات الى كل من اسبانيا وفرنسا واليونان وتركيا وايطاليا لعرض ميزات دورة تونس. وقد سعدنا بحماسة هذه الدول للمشاركة بأعداد كبيرة أي ما بين 300 و400 رياضي من النخبة المتميزة وكذلك بنقل فعاليات هذه الدورة الى دولها. ومن جهة أخرى قامت لجنة الإعلام بتنظيم ملتقى للإذاعات والتلفزيونات المتوسطية في نهاية شهر حزيران يونيو ضمّ أكثر من 70 صحافياً ومهندساً ومسؤولاً عن الإذاعات والتلفزيونات العربية والدولية. وقد حرصت لجنة الإعلام على تنظيم هذا الملتقى الذي يعد تقليداً أولمبياً لاطلاع الإعلاميين على حجم الاستعدادات التونسية. وقد عبّر الإعلاميون عن سعادتهم لدقة التنظيم وحجم الامكانات المالية والبشرية التي وضعتها تونس لانجاح هذه الدورة. أما على مستوى البنية التحتية الإعلامية فقد أنجزت تونس مركزاً للبث التلفزيوني مساحته 600 متر مربع لتأمين أفضل ظروف البث الى جميع أنحاء العالم. كما اعددنا مركزاً اعلامياً رئيسياً مجهزاً بأحدث تقنيات الاتصال من حواسيب وهواتف وفاكس وإنترنت سيشّغل لخدمة نحو ألف اعلامي سيتولون تغطية هذه الألعاب. والأهم من ذلك تلك المبادرة التونسية بجعل حقوق البث والنقل التلفزيوني مجانية حيث ستؤمن هيئة التلفزيون التونسي نقل ست ساعات يومياً و15 دقيقة كملخص الى الدول كلها وخصوصاً العربية منها بالتعاون مع اتحاد الاذاعات العربية. أما بالنسبة للزملاء الصحافيين فسنؤمن لهم الاستقبال في مطار تونسقرطاج، وخصصنا لهم فنادق من فئة ثلاث نجوم بأسعار مخفضة كما تعاقدنا مع شركات لتأجير السيارات لتأمين تنقلهم وأعددنا لهم برنامجاً سياحياً ترفيهياً منوعاً. تجاوب كبير ما هو مدى تجاوب وسائل الإعلام الاقليمية والدولية مع الاستعدادات التونسية للألعاب؟ - منذ نهاية ملتقى حزيران للإذاعات والتلفزيون المتوسطية، لاحظنا تزايد طلبات الاعتماد لتغطية الدورة حيث أبدت تلفزيونات الدول العربية وخصوصاً المملكة العربية السعودية والمغرب وليبيا ولبنان وسورية رغبتها في نقل فاعليات الدورة، وكذلك القنوات الفضائية الخاصة، وأبرزها الجزيرة القطرية وأبو ظبي الرياضية والمنار و"أي آر تي" و"أم بي سي" على تأمين تغطية يومية للألعاب. كما ستقوم مؤسسة "اس اف أي" بنقل الدورة الى 47 بلداً أفريقياً، في حين ستسوق وكالة اسيوشيتو برس وهيئتها التلفزيونية "اس.ام.ش. في سبورست نيوز" بنقل الألعاب الى 250 محطة تلفزيونية مشتركة لديها. إضافة الى وكالات الأنباء الرسمية والاتحاد الأوروبي للبث التلفزيوني، فإن صحيفة ليكيب ومجلة فرانس فوتبول العريقتين ستوفدان مندوبين عنهما لتغطية الألعاب. وأود هنا ان أوجه نداء عبر صحيفة "الحياة" الى الإعلاميين العرب جميعهم وعلى مختلف اختصاصاتهم الى التفضل ومشاركتنا فرحتنا المتوسطية، وسيلقون منا كل العناية وحسن الوفادة لأن هذه الفرحة التونسية فرحة للإعلاميين العرب وفرصة لاطلاعهم على مظاهر النهضة والتطور والرفاه في تونس، بلد الأمن والأمان بلد السلم والسلام.