جسد حضور 1200 صحافي الى تونس لتغطية كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم في دورتها ال24، تنامي اهتمام وسائل الاتصال والإعلام المختلفة بالرياضة عموماً وكرة القدم خصوصاً في علاقتها مع جمهور القراء وجذب المعلنين وتفاعل ثقافة العولمة الجديدة مع الحدث حتى في أشد بقاع الأرض تخلفاً عن مواكبتها ومعاناة من تداعياتها. لا شك في أن حصول بعض التلفزيونات على حقوق البث الحصري للدورة، دفع ببعض زميلاتها الى الغياب عن متابعتها أو ابتعاث عدد محدود من الاعلاميين لمتابعة كواليسها ورصد مظاهر "النهضة" الرياضية التي شهدتها تونس في عقد التسعينات الأخير، إلا أن أغلب وسائل الإعلام الغربية والأفريقية والعربية سجلت حضوراً متميزاً في تونس 2004... ولعل الأمر اللافت ان بعض الدول الأفريقية المشاركة في البطولة والتي ترتبط صورتها في الذاكرة العربية بالفقر والمجاعة وتواضع موازنات صحافتها ووسائلها الاتصالية عموماً، جاءت الى تونس ب"جيش" من الاعلاميين حيث تجاوز عدد الوفد "البينيني" عتبة ال20 صحافياً... والأمر ذاته ينطبق على مالي وبوركينا فاسو والكاميرون، في حين حطمت بعض الدول الأفريقية "الغنية" ومن أبرزها نيجيريا هذا الرقم الاستثنائي. في وقت تتأرجح علاقات فرنساوتونس مستعمرتها القديمة ما بين فترات مدّ وجزر تتداخل فيها عوامل سياسية واقتصادية وأمزجة مختلفة، عادة ما يكون الحضور الفرنسي بقوة لتغطية الأحداث الرياضية مؤشراً الى تحسن ملحوظ في علاقات البلدين. ويبدو ان شهر العسل الذي يعيشه الجانبان في الأشهر الأخيرة، انعكس بقوة على الحضور المكثف لغالبية وسائل الإعلام الفرنسية العامة والرياضية. وحرص كبار المعلقين الرياضيين على الظهور في الصورة، والإشادة بروعة حفلة الافتتاح وتنظيم كأس أمم أفريقيا. وعموماً، فإن الحضور الغربي اللافت في هذه البطولة لم ينحصر في الفرنسيين فحسب بل رافقته أعداد كبيرة جداً من الإعلاميين البلجيكيين الايطاليين، حتى مؤسسة "شايل" الكورية الجنوبية التي أمنت الجزء الأكبر من حفلة الافتتاح أوفدت مجموعة مهمة من الصحافيين لنقل رؤيتهم حول كل شيء الى قراء بلادهم، كما كان حضور عدد ملحوظ من الصحافيين اليابانيين استمراراً لعلامة مسجلة في غالبية التظاهرات الرياضية التي تنظم في دول عربية من مونديال الشباب الأخير في الإمارات الى تونس... ما يدفع الى التساؤل: هل أصبحت كرة القدم تحديداً والرياضة عموماً جسراً يرصد حيوية المجتمعات العربية وينقلها الى الشعب الياباني ومؤسساته الاقتصادية الضخمة. حضر من مصر قرابة 20 صحافياً من مختلف وسائل الإعلام، إضافة الى المراسلين المعتمدين في تونس، وكان الحضور الجزائري والمغربي كثيفاً... وفضلاً عن كل هؤلاء اعتمدت اللجنة الاعلامية نحو 400 صحافي من تونس، وهو رقم قياسي بإجمالي عدد الصحافيين التونسيين، ما ينبئ بأن الطبيعة لا تحتمل الفراغ... فأمام تراجع الاهتمام الشعبي بالشأن العام، أصبحت كرة القدم جسر الناس للتعبير عن ذواتهم وحقهم في الحديث بصوت عال والدفاع عن هويتهم الوطنية المجسدة في منتخباتهم القومية. أمام رياح العولمة الجارفة، سجلت بعض وسائل الإعلام الخليجية حضوراً لافتاً في تونس وخصوصاً من الامارات العربية المتحدة، في حين غابت غالبية قنواتها التلفزيونية. وبعد سنوات الجفاء التي طبعت علاقة قناة الجزيرة بالسلطات التونسية، جاءت قناة الجزيرة الرياضية ولم تثبت فقط اكتساحها القوي للمشهد التلفزيوني الرياضي العربي، بل تمكنت من ربط خطوط التواصل وفكت العزلة التي انتقلت منها القناة الأم فأثبتت قدرة الرياضة على اصلاح ما أفسدته السياسة. لا شك في أن سياسة الحق الحصري لبعض الفضائيات في بث المباريات، انعشت الاذاعات والصحافة المكتوبة وحضورها لدى الناس وجماهير القراء... أو هكذا يبدو من الوهلة الأولى، لكن الدورة الحالية لكأس الأمم الأفريقية ربما أشّرت الى مرحلة صعبة للاذاعة والصحافة، إذ إن الحدث في زواياه المختلفة وفضاءاته الجغرافية من الملعب الى فندق اقامة للاعبين والمدربين، أصبح متاحاً لمن دفع مسبقاً... و"البقية يفتح الله". فقد جسدت حفلة الافتتاح ومنصة الصحافيين فيه، وكذلك أولى مباريات الدورة نظرية جديدة في المتابعة والدخول الى الملعب والتحرك... فكانت أكثر يسراً للتلفزيونات التي دفعت ولا عزاء للصحافة المكتوبة إلا في آخر الطابور وآخر المقاعد... وطبعاً لا مجال للاحتجاج أو الرفض، فهذا قانون السوق والعرض والطلب. وبعد نهاية عهد الدولة القومية وكرم الضيافة السخي، سجلت هذه الدورة تحولاً في حياة نجوم ومدربين عرب بارزين. فقد أصبح نجم مصر السابق مجدي عبدالغني والمدرب الجزائري علي الفرجاني معتمدين لدى وسائل اعلامية اذاعية، وتكثفت في تونس ظاهرة "الموزع الصوتي" أو الاتصال الجماهيري برقم هاتفي "ساخن" يمدهم بآخر أخبار الدورة ويوفر لطالبه الحوارات الثرية والمثيرة مع أبرز النجوم الأفارقة والشخصيات الرياضية المحلية والعربية... ويبدو ان اذاعة "موزييك" وهي أول اذاعة خاصة في تونس وسمح لها بالبث في 7 تشرين الثاني نوفمبر الماضي، كانت أكبر المستفيدين من هذا الحدث الكروي الأفريقي في جمعها ما بين الكرة والموسيقى في "موزييك" اعلامي لا عزاء فيه للصحافة المكتوبة... ولا للفقراء!