على المقالة أن تنجز. فكّر أنه لم يسبق لاهتماماته أن واكبت من قبل إحتفالية"يوم المرأة العربية"، على رغم مرور ثلاث سنوات على إطلاقها، وإعتماد هذا اليوم مناسبة رسمية من مناسبات الروزنامة. ربما كان مشغولاً. ربما هي شؤون ذكوريته، التي شهدت تغيرات مهيبة خلال السنوات الثلاث الماضية بانتقالها من طور"الطاحنة"الى طور"المطحونة"، وقد ألهته عن تذكّر الأول من شباط فبراير بوصفه يوماً خاصاً لنساء العرب. ما العمل الآن؟ في مثل هذه الظروف، كان في العادة يلجأ الى صديق. الصديق وقت الضيق غير متوافر، والمقالة يجب أن تنجز. حسناً، الى موقع"غوغل العربي!" توقع أن يصول ويجول محرّك البحث الالكتروني وينطح السحاب ويحفر الأرض ليخرج له أطراف الخيوط التي سيبني عليها المقالة. جلس الى جهاز الكومبيوتر وحبس أنفاسه كمن يفكك عبوّة يخاف أن تنفجر في وجهه. أحسّ بأن شهيّة عظيمة للكتابة بدأت تدبّ في حناياه. غلت الأفكار في رأسه وتوقّع ان يغرف من عناوين لن تبدأ أقل من"تظاهرات نسائية لمناسبة يوم المرأة العربية"أو"فتاة عربية تهدد بالانتحار من اعلى البرج اذا لم تعط حق الانتخاب والقيادة في بلادها"وصولاً الى"مئات النساء يشعلن الحطب حول قريتهن احتجاجاً على تقليد"التحيير"الذي يرهنهن طوال الحياة زوجات لأولاد عمومتهن الذين لم يقدموا على الزواج منهن ولم يسمحوا لأحد أن يفعل ذلك"... توقّع اذاً سيلاً من المقالات، المخزّنة في ذاكرة العالم الافتراضية، ذاكرة الانترنت، تتحدث عن قهر المرأة في عالمنا العربي وحرمانها من أبسط حقوقها، عن أرقام وإحصائيات ودعوات سلمية تحمل ورودا حمراً وأخرى عنيفة تدعو ربما الى"قلب نظام الحكم الذكوري". ثلاث كلمات "يوم المرأة العربية" ثلاث كلمات زجّها في فم صديقه المستشرق"غوغل العربي"، وانتظر منه رداً. أربعة وثلاثون جزءاً من الثانية استغرق البحث وكانت النتيجة 259 وثيقة مختلفة اشتملت على هذه الكلمات. استبشر خيراً. لكن من قال أن الخير قد اتى يوماً"على قدوم المستشرقين". تفقّد العبارات الظاهرة على الشاشة من دون أن ينقر في عمقها. كانت في غالبيتها تتحدّث عن"احتفالات في مناسبة يوم المرأة العربية"... كانت زوجة الحاكم حاضرة باستمرار لكي تصرّح، بينما الابتهاج منثور في الأجواء لأن عقيلة الرئيس قررت المشاركة في اللحظات الأخيرة...زوجة المسؤول كرّمت زوجة الوزير وعضو البرلمان قدمت جائزة الى رئيسة المؤسسة... خطابات خشبية بدا الأمر أشبه بحفلة تتكرر مرة كل سنة، وجوه المدعوات فيها لا تتغيّر ونصوص الخطابات لا تفترق عن خطابات قادة العرب الذكوريين التي لطالما وصفتها النسوة، مهضومات الحقوق، بالخطابات الخشبية. عبس قليلاً وقرر أن في الفضاء رائحة"مؤامرة". رمق صديقه"غوغل العربي"بنظرة عتاب:"أين الوثائق الخفية يا غوغل، أيعقل أن ذاكرة ثلاث سنين لا تحتوي الا على هذه الاخبار المملة... أشعر انك تتواطأ مع الراغبين بإخفاء المعلومات النافعة". لم يجب"غوغل العربي"لكنه افصح عن بعض الصفحات التي بدت عناوينها مثيرة:"عريس لله في يوم المرأة العربية". نقر على العنوان فأحالته الوصلة الى صفحة ملغية. استشاط غضبه وقرر أن"غوغل العربي"، مثل اصحاب السلطة والقرار في أوطاننا، يعمل ضد ذاكرة النساء العربية وانجازاتهن ومناصرة حقوقهن."دونت كيل ذا ماسينجير"لا تقتل الرسول، تخيّل أن محرّك البحث يصدّر اليه هذه الرسالة على الشاشة. أراد"غوغل العربي"أن يدافع عن نفسه:"ما على الرسول الا البلاغ، وأنا لم أفعل غير نقل الصورة الكاملة لما ارتبط بهذا التاريخ خلال السنوات الثلاث الماضية". يوم تاريخي عظيم في واقع الأمر، كان محرّك البحث محقاً وكان من الظلم تحميله المسؤولية عن تشابه الوجوه والنصوص، علماً أنه فعل ما بوسعه لأن يتفادى قدر المستطاع هذا التشابه. صمت"غوغل العربي"قليلاً، لعلّه فكر مليّاً وغرق في حالة تأمّل... ثم قال:"من أجل عرض نتائج أقل وأكثر تركيزاً، قمنا بإهمال بعض النتائج الشديدة التشابه مع النتائج ال 84 المعروضة. ولكن إذا رغبت بإمكانك إعادة البحث مع إظهار النتائج المهملة". فكّر صاحبنا أن كان يرغب حقاً بمتابعة البحث. أحسّ بكآبة عارمة تملأه. ماذا لو صادف الوجوه والنصوص ذاتها. أطفأ جهاز الكومبيوتر وقرر انه سيكتب المقالة في اليوم التالي. سيعنونها بالعبارة التالية:"قال لي غوغل إن المرأة العربية ستحصل على حقوقها الكاملة في الثلاثين من شباط المقبل... سيكون يوماً تاريخياً عظيماً!"