في تجربة هي الأولى من نوعها، أصدر المؤلف الموسيقى شريف محيي الدين ست اسطوانات مدمجة تتضمن أعماله الموسيقية الكاملة التي صاغها في الفترة الممتدة بين 1984 و 2004 . خلال هذه السنوات، عرف محيي الدين طريقه الى جمهور الموسيقى كعازف محترف على آلة"الكورنو"ضمن"أوركسترا القاهرة السيمفونية"، وكمؤلف موسيقى بدأ تجربته مع افتتاح دار الأوبرا المصرية العام 1988، حين كلّف بتأليف أول عمل موسيقي قدم في الدار. ومن آب اغسطس 1989 حتى العام 2001، أسس شريف محيي الدين وأدار"مهرجان القلعة للموسيقى والغناء"في مصر. في العام 1993، أنشأ أوركسترا اخناتون للحجرة"، وفي العام 1995 عين مديراً لأوركسترا القاهرة السيمفونية وقادها في حفلات قدمت في مدن اوروربية مثل باريس وفيينا وبرلين. ومنذ العام 2002، يشغل محيي الدين منصب مدير ادارة الفنون في مكتبة الاسكندرية. "الحياة"التقت شريف محيي الدين في حوار عن تجاربه الموسيقية، خصوصاً مغامرته في اصدار اعماله الكاملة على حسابه الخاص من دون أي تمويل انتاجي، وهي اعمال ضمت عزفاً منفرداً على آلات الكلارينيت والأوبوا والتشيللو، إضافة إلى اعمال للموسيقى الالكترونية بالاشتراك مع الموسيقي عمرو ابو زكري. لكن أكثر ما يلفت النظر في هذه المجموعة عمل"ثلاث أوبرات في ساعة "، وهو صياغة اوبرالية لأعمال قصصية ليوسف ادريس، أعدها الشاعر سيد حجاب. كما ضمت صياغات لحنية لبعض القصائد الشعرية، ومنها اعمال لنزار قباني وأمل دنقل، وهي صياغات تفتح الباب امام تأويل موسيقي لأعمال كوكبة بارزة في الشعر العربي. ولعل هذا ما دفع الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي لاعتبارها تجربة رائدة"لأن صاحبها حرص على الانتصار للقيمة الفنية في وضع موسيقاه، فهو موسيقي موهوب لا يعرف العبث ولا يتاجر بموهبته". اللافت ان محيي الدين لا يعتبر اقدامه على انتاج هذه الاسطوانات مغامرة انتاجية، بل يؤكد انها"خطوة ضرورية لتكريس هذا النوع من الموسيقى في السوق العربية لتغيير الذائقة السائدة التي تختصر الموسيقى في الأغنية فقط". ويلفت محيي الدين الى ان"كل من رغب في الحصول على هذه الاعمال نالها كهدية لأن الهدف من اصدارها مواجهة حملة واسعة للتشكيك في قدراته كمؤلف موسيقى، وقف وراءها بعض الموسيقيين المصريين. ومن ثم فهي تقدم اعماله في عشرين عاماً لتعطي للمتذوق فرصة الحكم عليها وتقويمها خارج الاحكام التي يروج لها من وقف وراء حملة التشكيك الى جانب الرغبة الملحة في توثيقها وحفظها من الضياع". ويقول:"لا توجد صلة انتاجية بين مكتبة الاسكندرية وهذه الأعمال التي اصدرتها على نفقتي الخاصة وبقرض من احد المصارف الكبرى في مصر". ويعتز شريف محيي الدين بتجربته في تلحين الشعر العربي وبخاصة تجاربه مع حجازي وأمل دنقل، ويعترف بانحيازه للشعر الحر لأن الشعر العمودي بحسب قوله،"يسجن الموسيقى في قالب من الرتابة ولا يمنحها طاقات التحرر التي توجد في شعر التفعيلة وفي قصيدة النثر ايضاً، فلكل نص طاقاته وعند الاختيار يحتكم الملحن الى ذائقته الشخصية". ويعترف محيي الدين بأنه بفضل سنوات نشأته الأولى في بيت والده، فنان الخزف المعروف محيي الدين حسين، تعرف الى كبار مثقفي مصر وفنانيها، الأمر الذي ترك اثره في تكوين ذائقته الجمالية التي انعكست على خياراته، كما عبرت عن نفسها في الاخراج الفني المتميز لأغلفة اسطوانات اعماله الموسيقية التي ضمت صوراً للوحات فنية للفنانين عوني هيكل وحسن سليمان وابراهيم الدسوقي ومنير. ويؤكد محيي الدين انه في الشعر ينحاز كثيراً الى نصوص أمل دنقل فيما يفضل يوسف ادريس على صعيد الرواية. لذلك يؤكد ان اختيار اعمال ادريس لتقديمها في اوبرا شعبية لم يأت اعتباطياً، وفي الوقت نفسه، كان عن قناعة تؤكد اهمية ترسيخ فن الاوبرا في اوساط المثقفين عبر اختيار نصوص تقترب من الحياة اليومية". ويبدو ان هذه القناعة تنسجم تماماً مع تصورات شريف محيي الدين عن الموسيقى التي يقدمها، فأعماله تصنف ضمن موسيقى التيار القومي الذي بدأه في مصر جمال عبد الرحيم ويواصل محيي الدين ورفاقه تطويره، وهو تيار يضع في اعتباره - كما يقول محيي الدين - الموسيقى التقليدية والشعبية ويحترم البيئة المنتجة لهذه الموسيقى ويوظفها بصورة جديدة. وأخيراً، يؤكد مدير ادارة الفنون في مكتبة الاسكندرية انه يسعد بعمله كقائد للاوركسترا،"فالقيادة كفاية والتأليف موهبة تبقى مع صاحبها حتى النهاية".