مع اقتراب موعد الانتخابات العراقية، تحوّل العراق ساحة حرب مفتوحة تشنها المقاومة العراقية ضد قوات الاحتلال الأميركي وقوات الشرطة والحرس الوطني العراقيين. وهذه الصورة للمشهد العراقي تظهر في شكل واضح فقدان القوات الأميركية للسيطرة، ليس فقط على الوضع في انحاء العراق، بل أيضاً فقدانها القدرة على حماية قواعدها خصوصاً بعد الهجوم على القاعدة الأميركية في الموصل، الذي أدى الى مقتل ما يزيد على 24 جندياً وجرح العشرات، ليشكل بداية لتطور جديد في عمل المقاومة. وهذا الهجوم الذي اعقبته هجمات شملت مدناً عدة يؤشر الى جملة أمور أهمها: فشل القوات الأميركية في إضعاف جذوة المقاومة التي ازدادت اشتعالاً بعد اجتياح الفلوجة. وعكست زيارة وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد الأخيرة للعراق، وتفقد قواته بعد الهجوم على قاعدتهم في الموصل محاولاً رفع معنوياتهم، هذا الفشل عندما أقر رامسفيلد بالواقع الصعب الذي يواجه الجيش الأميركي، فيما توقع وزير الخارجية الأميركي كولن باول تصاعد الهجمات مع اقتراب الانتخابات. وعكس مستشار أمني للقوات الأميركية المشكلات الأمنية المتزايدة بالقول ان منع المتسللين يشكل تحدياً صعباً للقوات الأميركية التي تريد تسليم الكثير من الامور الأمنية الى العراقيين بأسرع ما يمكن من اجل الاسراع في العودة الى بلادها، لكن هناك الكثير من العوامل والكثير من الولاءات القبلية والأسرية، ولا يمكن ان تكون واثقاً من وفاء من يعملون معك مئة في المئة. وبات واضحاً ان زمام المبادرة أصبح في ايدي المقاومة العراقية التي انتقلت الى مرحلة شن الهجمات في كل المناطق بعد الهجوم على الفلوجة واسقطت بذلك محاولة القوات الأميركية استعادة زمام المبادرة ووضع المقاومة في مرحلة دفاع وتقييد حرية حركتها. هذه التطورات وضعت واشنطن في مأزق سياسي عشية الانتخابات حيث أدى الفشل العسكري الى التأثير سلباً في الخطة الأميركية للانتخابات، وبرز ذلك من خلال: ازدياد نسبة المقاطعة السياسية والشعبية للانتخابات خصوصاً في المناطق التي تشهد اتساعاً في عمليات المقاومة، وسيادة القلق لدى المسؤولين الأميركيين من جراء انتخابات ناقصة وجزئية، لأن مثل هذه الانتخابات لن تحقق الهدف الأميركي المتمثل في اعطاء شرعية كاملة للمجلس النيابي والحكومة التي ستنبثق منه، وهذا ما يفسر اجتماع السفير الأميركي في بغداد مع هيئة العلماء المسلمين لحضها على المشاركة في الانتخابات. ومن جهة ثانية فإن اجراء انتخابات جزئية قد يؤدي الى فوز قائمة المرجع الديني آية الله السيستاني بغالبية المقاعد في البرلمان ويحرم الفريق الموالي لأميركا من القدرة على التحكم بقرار البرلمان. هذا الواقع وضع واشنطن في مأزق حقيقي، فاذا أجريت الانتخابات ستكون ناقصة ومن الممكن الا تؤدي الى الاتيان بالفريق الموالي لها، واذا لم تجر الانتخابات فإن ذلك سيدفع بالكثير من العراقيين الى الانضمام الى مقاومة الاحتلال سياسياً وعسكرياً، بخاصة ان السيستاني لن يقبل بتأجيل الانتخابات. تبدو واشنطن غارقة في المستنقع العراقي أمنياً وسياسياً ولا تبدو الصورة المستقبلية مبشرة بأنها ستكون أفضل بخاصة ان التناقضات بدأت بالظهور بين اركان الحكم العراقي كنتيجة لتفاقم المأزق والفشل الأميركي، اذ لم تخفِ ذلك تصريحات الرئيس العراقي غازي الياور ومعارضته لما يقوم به اياد علاوي والقوات الأميركية. واياً كان اتجاه الأمور فإن الأمر الأكيد ان واشنطن ستكون أمام تحديات كبيرة في المرحلة التي ستلي استحقاق الانتخابات تجعلها مضطرة الى الاختيار بين أمرين كلاهما له انعكاسات وتداعيات سلبية على الولاياتالمتحدة: اتخاذ قرار التورط اكثر في احتلال العراق عبر استقدام قوات جديدة وهو ما يعيد الى الاذهان عقدة فيتنام، أو العمل بنصائح مراكز الأبحاث وأخذ قرار الانسحاب من العراق وتسليم الأمر للأمم المتحدة كي تشرف على اجراء انتخابات عراقية تشارك فيها كل الأطراف، بعد مؤتمر وطني يحضره العراقيون كافة. * كاتب فلسطيني.