يحكى أن الحماصنة سكان مدينة حمص استطاعوا، في مشهد تمثيلي هستيري يحوي الكثير من الذكاء، تجاوز بطش تيمورلنك وعتاد رجاله الذي فتك بحلب وأهلها، قبل أن ينتقل إلى حمص للهدف ذاته، ليجد في استقباله جمهرة من الحماصنة، وقد ارتدوا أزياء غريبة معلقين القباقيب على صدورهم كنياشين، وحاجبين وجوههم بالغرابيل ومعتمرين الجرار المكسورة. جيش التتار الذي فاجأه تهريج"الحماصنة"ورسم على وجوهه علامات البسمة والدهشة، قدر أنه في غزو مدينة كهذه مضيعة للوقت ومهزلة تاريخية، وهكذا كتبت للحماصنة"حياة جديدة"وتاريخ جديد مع الطرافة وخفة الدم. يحكي التاريخ أيضاً مجموعة قصص تُساق من خلالها أسباب مختلفة، تبرر المكانة التي يحظى بها يوم"الأربعاء"في حمص، والأسباب التي جعلته يرسخ في الذاكرة الشعبية السورية على أنه"عيد الحماصنة"، وأبرزها أن الأربعاء كان عيد أحد آلهة الرومان وكان يحتفل به في منطقة الفرقلس التابعة لحمص. وظلت له مكانة خاصة في قلوب الحمصيين. بل إن طرفة يرويها التاريخ أيضاً تقول إن"الحماصنة"وأثناء سيرهم للمشاركة في معركة صفين التي كان يوم الجمعة أحد أيامها، صلوا صلاة الجمعة يوم الأربعاء خوفاً من أن تضيع عليهم الصلاة! وأخذاً بما رواه التاريخ، وبما رواه ياقوت الحموي صاحب معجم البلدان عن حمص"ومن عجيب ما تأملت من أمر حمص فساد هوائها وتربتها اللذين يفسدان العقل". وفي ظل استمرار قبول"الحماصنة"لما قيل ويقال عنهم من طرائف، يستمر السوريون حتى اليوم في إلباس"الحمصي"طربوش"النكتة"الذي يلبسه اللبنانيون لأبو العبد والمصريون للصعيدي والخليجيون للحشاش. ولا يبذل الحماصنة أي مجهود لتغيير هذه الحال، حتى أنهم في احيان كثيرة يصنعون النكات عن نفسهم ويروّجونها. والأجمل من هذا كله أن"واحدهم"يشرئب بسعادة واضحة إذا ما سئل عن سبب قبول الحماصنة لنكات تصفهم بالسذاجة والغباء ويقول:"حديثهم عنا غيرة، وقبولنا له علامة تفوقنا". وعلى رغم ما قيل ويقال عن حمص إنها مدينة الشعر والعشق الذي كان يصل إلى حد التصوف بدءاً من جوليا دومنة ابنة كاهن"معبد الشمس"التي أحبت القائد سبتيموس سيفيروس، مروراً بالشاعر ديك الجن الحمصي الذي أحب جاريته، وعسكر الذي أشيع انه كان مغرماً بالملكة اليزابيث الأم، والدة ملكة بريطانيا الحالية، التي توفيت قبل سنوات قليلة، ظل الحمصيون نجوم النكتة والمعنيون الاوائل بها. وعلى رغم أن ما يروى من نكات اليوم يختلف عما حصل في أيام تيمورلنك، وعن رسالة الحب التي أرسلها عسكر للملكة اليزابيث، فإن طرافة الحمصي وصلت إلى أميركا، حيث يقال إن أميركياً عيّر حمصياً أمام البيت الأبيض في واشنطن بعدم وجود الديموقراطية في سورية قائلاً:"أنا أستطيع أن اشتم جورج بوش هنا أمام البيت الأبيض". فقال له الحمصي مستغرباً:"وأنا أستطيع أن اقف على راس ساعة حمص وأشتمه حتى الصباح". وعلى رغم وجود الكثير من النكات عن"الشوام"أهل الشام و"الحلبيين"أهل حلب و"الأدالبة"أهل إدلب، فإن دق باب حمص أولاً للحديث عن النكات أمر لا مفر منه، لشدة تنوع هذه النكات وعدم تسببها بأي نوع من الحساسية. فالناس يروونها بحرية وبصوت عال. وقد يضطرون لخفضه قليلاً عندما تتوجه نكاتهم نحو الشوام والحلبيين أو أهل الساحل منطقة الساحل السوري. وإن كانت النكات التي تروى عن الحمصيين تستهدف في معظم الأحيان ذكاءهم وطرافتهم، فإن النكات الساحلية، إن صح تسميتها بذلك، كانت ولا تزال تحمل عدوانية ظاهرة أو مبطنة تجاه فئة يحسد الكثير من السوريين على ما لديها من ميزات أو استثناءات. بل إن اللبنانيين يخصونها ببعض نكاتهم التي تتغير لهجتها بحسب آخر التطورات السياسية في سورية ولبنان والعلاقة بين البلدين، والوجود السوري في لبنان. شهرة"الحماصنة"بتسكين الصاد كما يسميهم أهل بيروت، طغت على شهرة أي سوري آخر، بل إن نكاتهم صارت"تضرب عصفورين أو أكثر بحجر واحد"، لأنها تختزل وفي كثير من الأحيان شخصية المواطن السوري بشخص"الحمصي"، وتجمع بينه وبين رجل الاستخبارات وضابط الجيش. وبدورهم، يتداول السوريون عن اللبنانيين نكات حول امور مختلفة مثل عدد المطربين والمطربات فيه، وبرامج"سوبر ستار"و"ستار أكاديمي"، وموضة"الميني جوب"واللبنانيين العاملين في سورية. مضمون النكتة الواحد، واختلاف شخصياتها بين الحمصي وأبو العبد والصعيدي أمر لا ينطبق البتة على الفنانة هيفا وهبي التي يجتمع حول شخصها السوريون واللبنانيون، بل العرب كلهم من المحيط إلى الخليج. فنكات هيفا صارت بلا هوية، وتعبر شاشات الموبايل والبريد الإلكتروني من دون أن يجد متلقوها أي صعوبة في فهم المضمون الذي يتناول مقومات هيفا الجمالية وتعليقاتها الصحافية لتكون مادة خاماً تلائم الجميع. آخر نكتة "سؤال: سمعت آخر نكتة؟ على طريقة المسلسلات المصرية، لا أسأله كثيراً ولا يسألني إياه الكثيرون"، قال جوزيف المشهور ب"التقفيل"، وهو المصطلح الذي يستخدمه الشباب للتعبير عن التنكيت اليومي."يمارس الشباب التنكيت لإطلاق ردّ فعلهم النفسي في احوال الفرح أو الغضب، وللتعبير عن عدوانيتهم الظاهرة تجاه الموضة، والأوضاع الاقتصادية والسياسية والمرأة"يقول جوزيف. ويضيف أن ما يميز"التقفيل"عن"التنكيت"هو أن النكتة ترتبط بفكرة جاهزة يتم تناقلها، فيما يفتح"التقفيل"الطريق دوماً أمام نكات جديدة. وعن الموضة الجديدة في التنكيت بين الشباب، يقول جوزيف:"إن أحدث ما في النكات اليوم تلك التي تتناول الشذوذ الجنسي، فهي لم تكن متداولة في هذا الشكل من قبل، والنكات الخاصة بالعراقيات". ويعتبر جوزيف أن زياد الرحباني هو"ملك التقفيل"ويقول:"زياد مثال يحاول الكثير من الشباب محاكاته في الهضامة والتنكيت والتقفيل الهادف. وتمكن معرفة ذلك من النفاد السريع لمسرحياته لدى أي بائع لأشرطة التسجيل في دمشق، فنكاته عميقة تعبر عن هموم الحياة اليومية". ويضيف:"التقفيل وسيلة يلفت بها الشاب أنظار الفتيات، إذ تعشق الصبايا هذا النمط من الشباب، ووجود هذه الصفة يغطي النقص الذي قد يعانيه الشاب في أمور أخرى". الشخصيات الذكورية في النكات هي الغالبة، أما الاستخدام الطارئ لل"حمصية"و"أم العبد"و"المحششة" فطارئ ويتبع الحاجة، وهذا ربما ما جعل فعلي"التنكيت والتقفيل"ذكوريين بامتياز. تعمل رانيا مغربي 26 عاماً سكرتيرة. رانيا معروفة بين زملاء الجامعة والعمل بلقب"المقفلجية". وقد اعترفت بأن"التقفيل هو أفضل وسيلة لإظهار عدوانيتها تجاه المواقف والأشخاص"، كونها ترد على ما يزعجها بالتنكيت والسخرية. "تقفيل"رانيا يزعج والدتها التي تعتبر"أن أقوالاً من هذا النوع لا تليق بالفتيات وبنات العائلات"، بينما يثير إعجاب زملائها وضحكهم، علماً أن ضحكات بعضهم كما قالت رانيا"تنقلب عند الشباب إلى سخرية واتهامات بطول اللسان، وإلى غيرة عند البنات اللواتي يبدأن بالثرثرة عليها والصيد في الماء العكر". سامر كندي 27 عاماً يعتبر أن"قدرة الشاب على ابتكار النكات الجديدة وطريقة تفاعله معها تختلفان مع استعداده للضحك الذي يعود على ما أعتقد إلى البيت الذي ينشأ فيه الشاب وطريقة التربية".