يتجه تحالف المعارضة السودانية في الخارج"التجمع الوطني الديموقراطي"الى تصفية وجوده السياسي والعسكري والعودة الى ممارسة نشاطه من داخل البلاد، بعد 15 عاماً كان يدير فيها نشاطه السياسي من القاهرة والعسكري من أسمرا، وذلك بعد أن يوقع اتفاقاً مع الحكومة في القاهرة قريباً جداً. وكان التجمع يضم 13 فصيلاً، أبرزها أحزاب"الأمة"بزعامة الصادق المهدي و"الاتحادي الديموقراطي"برئاسة محمد عثمان الميرغني و"الحركة الشعبية لتحرير السودان"بزعامة جون قرنق وفصائل عسكرية وقوى سياسية ونقابية أخرى. لكن حزب"الأمة"انشق من التحالف العام 2000، وعاد زعيمه الى البلاد بعدما وقع اتفاقاً مع الحكومة في جيبوتي في نهاية العام 1999. ويعد"التجمع"أكبر تحالف بين قوى من شمال البلاد وجنوبها وشرقها وغربها. وكان أقرب الى"الجبهة الوطنية"التي تشكلت من أحزاب"الأمة"و"الاتحادي الديموقراطي"و"الاخوان المسلمين"والتي أقامت معسكرات تدريب في ليبيا وخاضت مواجهة عسكرية لاطاحة حكم الرئيس السابق جعفر نميري العام 1976. وبعد فشلها دخل حزب"الأمة"و"الاخوان المسلمون"في مصالحة مع نميري العام 1977، وانخرط المهدي والزعيم الاسلامي الدكتور حسن الترابي في مؤسسات الحكم آنئذ. وخاض"التجمع"مواجهات عسكرية مع حكومة الرئيس عمر البشير. واستولى على مواقع على الشريط الحدودي المتاخم لاريتريا عبر قواته التي تتألف من مقاتلي"الحركة الشعبية"و"تنظيم الفتح"التابع الى الاتحادي وتنظيم"التحالف"وفصيلي"البجا"و"الاسود الحرة"في شرق البلاد. وكانت أكبر عملية هزت الخرطوم اقتحام قواته قبل نحو خمس سنوات كسلا ثاني أكبر مدن الشرق بعد بورتسودان ميناء السودان الرئيسي على البحر الأحمر، وفجرت أنابيب النفط ثلاث مرات. وبعد عودة المهدي وحزبه الى الخرطوم، سعت اريتريا الى لعب دور في التسوية السياسية في البلاد. واستطاع الرئيس اسياس أفورقي للمرة الأولى جمع الرئيس عمر البشير وزعيم التجمع محمد عثمان الميرغني في أسمرا في تموز يوليو العام 2002، ثم تواصلت الاتصالات السرية والعلنية حتى وقع النائب الأول للرئيس علي عثمان محمد طه والميرغني اتفاقاً في جدة نهاية العام 2003 وضع مبادئ عامة لحل الأزمة السياسية. وتبنت القاهرة استضافة محادثات بين الجانبين، بعدما فشلت مبادرتها المشتركة مع ليبيا بسبب الاستقطاب والتجاذب الحاد بين المبادرة العربية والوساطة الافريقية عبر الهيئة الحكومية للتنمية في شرق افريقيا ايغاد، وكلف الرئيس حسني مبارك رئيس الاستخبارات اللواء عمر سليمان بالاشراف على الملف. وعقد جولتي مفاوضات والثالثة هي الأخيرة الجارية حالياً التي ستشهد توقيع الاتفاق بالأحرف الأولى. وسيؤدي اتفاق المصالحة الى تعزيز السلام في جنوب البلاد الذي وقع قبل اسبوع في نيروبي، لكنه لن يؤدي الى سلام شامل او اجماع وطني كامل، لانه رغم انتماء"حركة تحرير السودان"في دارفور الى"التجمع"، الا ان المحادثات في شأن ازمة الاقليم التي لا تزال بيد الاتحاد الافريقي لم تصل الى نهاية للحرب. وقاطع فصيلا"البجا"و"الاسود الحرة"مفاوضات"التجمع"، وطالبا بمنبر مستقل لمناقشة قضية شرق البلاد. الى ذلك، لا تزال قوى سياسية مؤثرة، ابرزها حزبا المهدي والترابي، خارج دائرة السلام والمصالحة. ويعتقد مراقبون انه لا يمكن تجاوزهما في المعادلة السياسية في البلاد اذ ان حزب الامة كان اكبر حزب في السودان ونال اكبر عدد من مقاعد البرلمان في آخر انتخابات جرت في العهد الديموقراطي في العام 1986. كما يرى المراقبون ان الترابي، رغم اقصائه عن زعامة حزب المؤتمر الوطني الحاكم حالياً منذ نهاية العام 1999، لا يزال يحظى بتأييد فكري وروحي وسياسي وسط الاسلاميين بعدما قادهم نحو اربعين عاماً. وعزز موقف المراقبين بعض اصدقاء نظام الحكم من كبار الصحافيين اذ طلب رئيس تحرير صحيفة"الرأي العام"ادريس حسن وهي واحدة من اكبر ثلاث صحف سياسية يومية في البلاد الحكومة باتخاذ خطوات جريئة وشجاعة تتسق مع تحقيق السلام في الجنوب باقرار اجماع وطني وتقوية الجبهة الداخلية. ورأى ان الظرف التاريخي التي يمر به السودان لا مجال فيه لاقصاء اي طرف او عزل اي من القوى السياسية عن المشاركة. ودعا في هذا الصدد الى اطلاق الترابي المعتقل منذ تسعة شهور وعودة الميرغني من الخارج وخروج زعيم الحزب الشيوعي محمد ابراهيم نقد من مخبئه الاختياري. ويرى حسن ان تجمع هذه القيادات السياسية وتحاورها في شأن مستقبل السودان سيبعد شبح تهديد السلام ويعزز اتفاق نيروبي بين الحكومة و"الحركة الشعبية"محذراً من ان شعور اي قوى بالاقصاء سيعطيها الحق في تقويض الاتفاق وعودة النزاع وتهيئة الساحة للمكايدات السياسية.