يواصل المطرب كاظم الساهر محاولات تدعيم صورته كملحن يحاول ابتكار ألحان مميزة. وجسدت ذلك اسطوانة"إلى تلميذة"الصادرة أخيراً وافتتحها صاحب"الحب المستحيل"بلحن رشيق ورقيق عبر أغنية"احبيني بلا عقد"من شعر الراحل نزار قباني الذي حضر ثانية في الأغنية التي منحت الأسطوانة عنوانها"إلى تلميذة"وثالثة في"كبري عقلك". وإذا كان"الغناء المتقن"حضر في قصائد صاحب الياسمين الدمشقي - وان في مستويات متباينة - من أداء الساهر ملحناً ومطرباً، فإنه بسط أجواء نادرة في أغنية مشتركة رقّ فيها صوت الساهر إلى جانب صوت مهذب وعذب للمطربة المغربية أسماء المنور التي عرفها جمهور القاهرة عبر الحان وضعها الملحن العراقي كوكب حمزة لكنها لم تصادف قبولاً، فالإسمان كانا غريبين عن أجواء ليس من السهولة الدخول في ممراتها المتشعبة."أشكو أياماً"جاءت اقرب إلى عذوبة لحن الموشح وطراوته، مثلما فيها من"الغناء المتقن"توافق بين جزالة اللفظ وأحكام الجملة الموسيقية، فضلاً عن أداء كان يتبارى في إبداعه صوت رقيق للمطربة أسماء، ويحتضنه الساهر بصوت تخضبه لوعة العاشق. أجواء عادية في اسطوانة"الى تلميذة"، اجواء عراقية وفرتها نصوص غنائية للشاعر كريم العراقي، لكنها جاءت أجواء عادية عبر الحان نمطية لا جديد فيها. وإذا كانت رفقة مشتركة جمعت بين الساهر والعراقي أثمرت أغنيات تلتمع بروحيتها كما في أغنية"رحّال"وهي من قديم الساهر الذي يتجدد، إلا إنها في الأسطوانة الجديدة أنتجت أغنيات لا صلة حقيقية لها بنتاج قائم على فهم مشترك بين الشاعر والملحن لعناصر النجاح في الأغنية ، فلا"امشي بهداوة"تحمل عمقاً من نصوص العراقي الغنائية امشي بهداوة يا حلو دربك خطر/ خوفي على خصرك لاتميل وينكسر ولا لحنها القائم على إيقاع مستهلك في أغنيات عراقية موروثة، يرتبط بلمسات تحديثية ادخلها الساهر على الغناء الشعبي العراقي. وفي السياق ذاته جاءت أغنية"مي ورد"العادية لحناً واداء. فيما كان"موال غرفة المكياج"يتضمن نصاً غنائياً يشكل سقطة للعراقي، زاده تأثيراً سيئاً ذلك التنافر بين كلام مبهرج عن احمر الخدود وما لف لفه من أدوات الماكياج، وبين التأثير الروحي الحزين لقالب"الموال"الذي حضر في اسطوانة الساهر ومع كلام العراقي أيضا في موال"ضاقت عليّ". اللحن الشعبي العراقي حضر عادياً في"والله دنيا"وليتصل بلحن آخر عادي في أغنية"اشصار اشدعوه"واعتمد في بهرجته على ايقاع"الجوبي". لحنان تعبيريان راقيان وضعهما الساهر في اغنيتين كتبهما الشاعر اسعد الغريري. في الأولى"فرشت رمل البحر"جاء اللحن الهادئ المبتكر في جمله الموسيقية متوافقاً مع صور غزل صورت بجرأة عناق أمواج البحر ل"صاحبة الجسد الخمري". أما في الأغنية الثانية"سيدة عمري"فبدا اللحن طليقاً وان جاء عربياً كلاسيكياً، وأثقل عليه كلام متكلف ومتحذلق من نوع"ياما حاولت افتح معك باب الحوار وانتي التي كنت تغلقه"و"التضحية والمحبة من طرف واحد قاتلة". فجوة بين الكلمة واللحن الفجوة بين الكلام العادي والساذج أحياناً، وبين البناء اللحني البارع في أغنيات الساهر حضرت ايضا في"صايغين الذهب"التي كتبها حمد بن سهل الكتبي، ومع جوها"الخليجي"يمكن لسامع غناء الساهر أن يشعر بوحشة غياب الشاعر السعودي الراحل طلال الرشيد الذي سبق وكتب للساهر أغنيتين جميلتين هما"مشتاق"و"الليلة إحساس غريب"، وبالفارق بين من يصوغ كلاما من نوع"صدري سما وإحساسي طير"أو"لقيت بقلبي وطن ولقيت فيك منفى"، وبين من يكتب"يا صايغين الذهب حبيت ادّلعها / شوفوا لي خاتم ذهب يستاهل اصبعها". ما يلغي هذه الفجوة موجود بقوة في اسطوانة صاحب"حافية القدمين": رقة الكلام وعذوبته، جمال اللحن وفرادته والإداء بصوت خضبه العشق الجميل، كلها اجتمعت في غناء الساهر لقصيدة"الى تلميذة"التي صاغها نزار قباني وابدع في توزيع لحنها الموسيقيان : فتح الله احمد وهاني سبليني اللبناني صاحب التجارب المهمة في التأليف والتوزيع والذي قد يشكل نجاحه اللافت مع الساهر تعاوناً مشتركاً سينعكس ربحاً وفيراً لجهة البراعة الموسيقية في اغنيات ما انفك الساهر قادراً على ان يفتن بها ارواحاً كثيرة.