كيف ينعكس الراهن الصاخب في الانتاج السينمائي العربي؟ وكيف تنظر السينما العالميّة إلى الواقع العربي؟ هذا السؤال المزدوج قد يصلح عنواناً عريضاً للدورة الثالثة من "أيّام بيروت السينمائيّة" التي تنطلق بعد أيّام، وتقدم 130 شريطاً بين تسجيلي وروائي، طويل وقصير، إضافة الى أفلام شبابيّة وتجريبية وجامعيّة، كما تنظم عدداً من اللقاءات والندوات ورش العمل والنشاطات الفنيّة... وإذا كانت زحمة المهرجانات السينمائيّة تبدو مستغربة بشكل عام في هذه المنطقة من العالم، قياساً الى الانتاج الضحل، والأزمات الكثيرة التي تعيق تطور السينما ونموها وانتشارها، فإن التجربة التي تشرف عليها جمعيّة "بيروت دي سي" تكتسي طابعاً خاصاً وتحتل مكانة مميّزة بخياراتها وتوجهاتها وطريقة تعاملها مع هذا الفنّ وهوامشه المتعددة. واقع السينما اليوم إذا نظرنا عن كثب الى البرنامج الذي أعلن عنه يوم أمس الثنائي هانية مروّة وإليان الراهب، خلال مؤتمر صحافي في قصر اليونيسكو في بيروت، نلاحظ أن "أيّام بيروت السينمائيّة" التي تتقاطع مع "مهرجان الاسماعيلية للأفلام التسجيلية" نجحت في استقطاب أعمال وتجارب متنوّعة، يضيق بها التلفزيون، ونادراً ما تحظى بفرصة الوصول الى جمهورها بسبب سياسات التوزيع المتحكمة في الصالات التجاريّة. والأهم من ذلك أن المهرجان الذي يقام بين 15 و26 أيلول سبتمبر الجاري، يطرح الأسئلة الصحيحة، ويرصد قضايا ومشكلات ترافق الانتاج السينمائي الراهن، فإذا بالبرنامج الذي يقترحه يأتي متكاملاً ومتنوعاً، وإذا بالعروض تعكس واقع الانتاج اليوم، خصوصاً على مستوى السينما المستقلة والتجارب الشبابيّة والطليعية، وتنقسم الى محاور ديناميّة تأخذ في الاعتبار واقع الابداع السينمائي اليوم : العرب في السينما العالمية، عقدان من السينما التسجيلية العربية تصاحب هذا المحور ندوة عن هويّة الفيلم التسجيلي تديرها الزميلة ريما مسمار، "فيلمي الأوّل جداً" ويتضمّن أعمالاً لهواة يتوسلون الفيديو للتعبير عن واقعهم، السينما المستقلّة من خلال عروض للميا جريج هنا وربما هناك، ديميتري خضر أطفال الأرز، هاني أبو أسعد فورد ترانزيت، هالة جلال دردشات نسائيّة، نرجس نجار العيون الناشفة، حكيم بلعباس خيط الروح، علا طبري خلقنا وعلقنا، علي نصار الشهر التاسع، وعبد الكريم بهلول اغتيال شمس/ عن الشاعر الجزائري جان سيناك... وصولاً الى فيلم قد يكون مفاجأة المهرجان للمخرج اللبناني الشاب محمود حجيج الأكثرية الصامتة، وهو عمل روائي صوّره قبل عامين بتقنية DV، ورفض عرضه جماهيرياً منذ ذلك الوقت. ونشير أيضاً إلى محور فلسطين في السينما الآن الذي يضمّ أعمالاً فلسطينية وعربية وعالميّة من "كأننا عشرون مستحيلاً" آن ماري جاسر، و"اجتياح" نزار حسن... إلى "موسيقانا" أحدث أفلام جان لوك غودار. وقد أصرّ بطرك مدرسة الموجة الجديدة في فرنسا على ارسال نسخة مترجمة الى العربيّة، وتحمّل بنفسه تكاليف الترجمة بحسب ادارة المهرجان. وكان من المتوقّع أن يشارك غودار شخصياً في ندوة عن السينما الفلسطينية يديرها الزميل سمير قصير، ويشارك فيها إلياس خوري وعمر أميرالاي... إلا أن الظروف حالت دون ذلك، فاختار شكلاً أكثر "سينمائيّة" للمشاركة... وهو سيطل على الجمهور في مداخلة قام بتصويرها في باريس المخرج اللبناني غسان سلهب. "باب الشمس" في شاتيلا أما الافتتاح فسيكون مساء 15 أيلول سبتمبر مع فيلم يسري نصرالله الجديد "باب الشمس" عن رواية بالاسم نفسه لإلياس خوري. وسيحضر المخرج المصري الذي حياه النقد في "مهرجان كان" العرض، وهو الأول للفيلم في العالم العربي، مع نخبة من الممثلين. وأوضحت الممثلة دارينا الجندي التي تشارك في الفيلم، خلال المؤتمر الصحافي، أن شركة "كريستال فيلم" التي توزع الشريط لبنانياً، ستنظم عرضاً خاصاً يوم نزول الفيلم الى الاسواق 16 أيلول في مخيّم شاتيلا، للأهالي "الذين يحكي الفيلم قصتهم ومعاناتهم، وكثيرون منهم شاركوا في المشاهد المصوّرة في بيروت". ومن الأفلام الأخرى التي سيتاح للجمهور اللبناني حضورها "أحلى الأوقات" شريط هلا خليل الذي أثار نقاشاً في القاهرة، تطمح جمعية "بيروت دي سي" الى استئنافه في لبنان: كيف يمكن التوصّل الى معادلة توفق بين الجماهيرية والمستوى الفنّي؟ أما فيلم محمد خان "كليفتي" فسيكون مناسبة لاثارة نقاش حول تقنيّة ال DV التي صوّر بها، وخلفيات هذا الخيار: الانتاجية، والفكرية، والجمالية... ولا بدّ من الاشارة الى فيلم قديم مميّز لميشيل خليفي معلولا، وفيلم جريء ولافت بعنوان "الطوفان" هو أحدث أعمال المخرج السوري عمر أميرالاي.... كما يعرض فيلم "في بيروت من قلّة الموت" للمصرية تهاني راشد، وكانت صاحبة "أربع نساء من مصر" صورت شريطها في بيروت العام 1985. وتنظم على هامش المهرجان ورشة عمل حول أفلام التحريك Animation، وتعرض أفلام قصيرة 5 دقائق أنتجتها "بيروت دي سي" لطلاب سينما في مسيرتهم الفنية الأولى. ولا بدّ من الاشارة الى تجهيز فيديو يقدم في اطار المهرجان بعنوان "جسد" كاترين كاتاروزا - فاتشي بولغورجيان في سينما استرال الحمراء، انطلاقاً من أشرطة 35 ملم عثر عليها بين الركام في بيروت. ويدور التجهيز حول فكرة الذاكرة والزمن... وأخيراً يقدّم المهرجان دعماً انتاجياً للسينمائي الذي يختاره الجمهور، علماً أن "أيام بيروت" ترفض فكرة الجوائز والمسابقات والتنافس. "أيام بيروت السينمائيّة" مهرجان يعبّر عن جيل جديد في العالم العربي، جيل يطرح أسئلة الهويّة، ويعيد النظر بالثوابت الايديولوجية. ولعل "بيروت دي سي" نجحت في رهانها، وفرضت مستوى معيناً لم يعد من المقبول، لأي مهرجان سينمائي عربي - رسمي أو مستقل - أن يأتي دونه!