شهر أيلول سبتمبر في باريس هو موعد انطلاقة الموسم الأدبي الجديد في فرنسا بحيث تستعدّ دور النشر الفرنسية لإصدار عدد كبير من الكتب سيتجاوز عددها هذا العام 1600 كتاب، وهو عدد ضخم مقارنة بالسنوات الماضية. تأتي الرواية في مقدّم الإصدارات الأدبية، إذ تبلغ العناوين الجديدة 661 عنواناً من بينها 221رواية مترجمة عن الآداب العالمية وخصوصاً عن الأدب الإنكليزي. وهناك أيضاً 672 كتاباً تتوزع على كل أقسام المعرفة، من البحث التاريخي والمقال السياسي إلى الدراسة والسيرة. وإذا كانت هذه النسبة الكبيرة من الإصدارات تؤكّد شيئاً، فإنّما هو ديناميكية صناعة الكتاب وسوقه في فرنسا. تتصدّر الكتب الجديدة حوالى 121 رواية أولى، أي باكورة الأعمال الأدبية للروائيين الشباب في فرنسا. هكذا نتلمّس، ومن الوهلة الأولى، أنّ نبضاً أدبياً جديداً بدأ في الظهور على الساحة الأدبية الفرنسية. ومن هؤلاء الروائيين الشباب نذكر على سبيل المثال، غاسبار كونيغ 22سنة، ماري نيمييه، إيزابيل سباك وحفيظ عقون وهم أيضاً في العشرينات. من عناوين الروايات الجديدة: "ملكة الصمت" لماري نيمييه غاليمار، "الايام الهشّة" لفيليب بيسون جوليار، "بيوغرافيا الجوع" لإيميلي نوتومب ألبان ميشال، وكذلك رواية "أكتاف قبل سنّ العشرين" لغاسبار كونيغ غراسييه، و"حياة فرنسية" لجان بول دوبوا لوليفييه. ومن الواضح في بداية هذا الموسم أنّ هناك اتجاهاً لاختيار العناوين "الجذابة" للروايات، لكن ستقابل هذه العناوين عناوين أخرى منها ما هو موغل في الإباحيّة، كما في عنوان "المضاجعة الجماعيّة" ليان مواكس غراسييه، ما سيثير ضجّة ونقاشاً سيحتلاّن من دون شكّ مساحة في الرأي العام والإعلام الفرنسي. من جهة أخرى تجدر الإشارة إلى أن نسبة الكتّاب الأجانب تحتلّ حيزاً كبيراً في هذا الموسم بحيث نجد أنّ نصفهم من الناطقين بالإنكليزية وفي مقدمهم: فيليب روث، جيم هريسون، جونتون فرانزون، بولا فوكس وإيدموند وايت. هذا إضافة إلى عمل جديد للكاتب والروائي الإيطالي أومبرتو إيكو سيصدر في تشرين الأوّل أكتوبر المقبل وهو كتاب عن تاريخ الجمال. تطالعنا أيضاً ترجمة لثلاث روايات للأديب التشيلي المتوفّى أخيراً روبرتو بولانو، ستصدر عن دار "بورجوا". في سياق العناوين المترجمة من اللغة العربية تنشر دار "أكت سود" رواية عزمي بشارة "نقطة التفتيش"، كما سيصدر عن دار "ميديسيس" كتاب جلال الدين الرومي في عنوان "مغزى الحب" للباحثة منيجي نوري أورتيغا. ومن المنتظر صدور كتاب ضخم بعنوان "الفن التصويري في إسلام القرون الوسطى" فلامريون للباحث ميشال باري. والمتتبع لسوق الكتاب الفرنسي يلاحظ أن بعض أحداث الساعة أصبحت نوعاً أدبياً قائماً بذاته، كموضوعي الإسلام والإرهاب. ومن بين الكتب التي تنتمي إلى هذه المجموعة: "حرب في قلب الإسلام" لجيل كابيل، و"الجهاد في أوروبا" لكلود مونيك، و"الإسلاميون هنا" لكريستوف دوبوا وكريستوف دولوار. وسيصدر عن بن لادن كتاب بعنوان "الرجل الآتي من الماضي" لإدريس شرايبي. من جهة ثانية، بلغ عدد عناوين الكتب المتعلقة بظاهرة معاداة السامية نسبة لا بأس بها، منها كتاب "المعاداة الجديدة للسامية" لدونيه لاكروا. ويقدّم نيكولا فال كتاباً بعنوان "الجمهورية والمعادون للسامية". ويتواصل الاهتمام بالتاريخ الفرنسي الكولونيالي وتحديداً ما يتصل منه بعلاقة فرنسابالجزائر، فيقدم بنجمان ستورا ورونيو دولاروش برين كتاباً توثيقياً حافلاً بالشهادات وعنوانه: "حرب الجزائر في نظر الجزائريين"، و"قصة طلاق" لجاك مرساي. كما يجد الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني مكانته من خلال كتب عدّة منها: "الجريمة الغربية" لفيفيان فورستار، و"هل لنا الحقّ في الدفاع عن إسرائيل؟" لإيف أزروال. في خضم العناوين الجديدة نحصي أربعين عنواناً مكرساً للولايات المتحدة الأميركية، منها الكتب التي تقدّم تحليلاً للمجتمع الأميركي، ومنها ما يعتمد على لهجة النقد، ومنها ما يرصد العلاقة المتوتّرة بين فرنسا وأميركا بخاصة منذ بداية أزمة العراق، ومنها ما يتعلّّق بظروف الساعة كالانتخابات الرئاسية الأميركية. ومن العناوين التي تطالعنا أيضاً "شيراك ضدّ بوش" لتوما كونتلوب، "شرف أميركا الضائع" لغريدون كارتر و"الحملة الأخيرة" لبربارا فيكتور. كما يستوقفنا رأي الكاتب المكسيكي كارلوس فوانتس الذي لا يخفي انتقاده للرئيس الأميركي في كتاب بعنوان "ضدّ بوش". ولم يغب صوت المرشح الديموقراطي جون كيري في الإصدارات الفرنسية عبر كتاب عنوانه "خاصيتي أميركا"، هذا إضافة إلى سلسلة من المقالات أنجزها بيار ألكسندر كبورتريه للتعريف بالمرشح الديموقراطي ذي الأصل الفرنسي. ومن المتوقع صدور الكثير من الكتب الخاصّة بسِيَر بعض الأسماء من الأدباء والفنانين المعروفين، ومنهم كتاب عن الشاعر رامبو لجان جاك لوفرار بمناسبة الذكرى ال150 لولادة الشاعر الفرنسي، إضافة إلى كتب أخرى عن فرنسواز ساغان وماكس جاكوب وغيرهما من الأسماء اللامعة. من الكتب التي ستنزل قريباً إلى المكتبات، كتاب "القرش والنورس" لدومينيك دو فيلبان، عن دار "ألبان ميشال" و"بلون". وفي شق الكتب السياسيّة، هناك كتب لجوزي بوفيه حول العولمة، ولوزير الدفاع السابق في عهد ميتران، جان - بيار شوفنمون، حول العلاقات الفرنسيّة - الأوروبيّة، وللوران فابيوس حول الوضع في فرنسا... هذا ومن المنتظر أن يختتم الموسم الأدبي الجديد بدخول الأعمال الروائية التي أتينا على ذكرها مجال التنافس على الكثير من الجوائز المشهورة مثل جائزة "غونكور" الأدبيّة و"الميديسيس" و"الفيمينا".