القبض على شخص بمنطقة الحدود الشمالية لترويجه «الأمفيتامين»    جيش الاحتلال ينتهك قواعد الحرب في غزة.. هل يُفشل نتنياهو جهود الوسطاء بالوصول إلى هدنة ؟    «مستشفى دلّه النخيل» يفوز بجائزة أفضل مركز للرعاية الصحية لأمراض القلب في السعودية 2024    "الشركة السعودية للكهرباء توضح خطوات توثيق عداد الكهرباء عبر تطبيقها الإلكتروني"    كافي مخمل الشريك الأدبي يستضيف الإعلامي المهاب في الأمسية الأدبية بعنوان 'دور الإعلام بين المهنية والهواية    العضلة تحرم الأخضر من خدمات الشهري    د.المنجد: متوسط حالات "الإيدز" في المملكة 11 ألف حالة حتى نهاية عام 2023م    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف.    النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع ووزير الداخلية بالكويت يزور مركز العمليات الأمنية في الرياض    النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع ووزير الداخلية بدولة الكويت يزور الهيئة الوطنية للأمن السيبراني    فعاليات يوم اللغة العربية في إثراء تجذب 20 ألف زائر    «الحياة الفطرية» تطلق 66 كائناً فطرياً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    أمين عام رابطة العالم الإسلامي يلتقي بابا الفاتيكان    الدفعة الثانية من ضيوف برنامج خادم الحرمين يغادرون لمكة لأداء مناسك العمرة    الشرقية تستضيف النسخة الثالثة من ملتقى هيئات تطوير المناطق    رضا المستفيدين بالشرقية استمرار قياس أثر تجويد خدمات "المنافذ الحدودية"    سلمان بن سلطان يدشن "بوابة المدينة" ويستقبل قنصل الهند    تحت رعاية خادم الحرمين.. «سلمان للإغاثة» ينظّم منتدى الرياض الدولي الإنساني الرابع فبراير القادم    الكويت تلغى رسمياً حصول زوجة المواطن على الجنسية    بلسمي تُطلق حقبة جديدة من الرعاية الصحية الذكية في الرياض    وزارة الداخلية تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    وزارة الصحة توقّع مذكرات تفاهم مع "جلاكسو سميث كلاين" لتعزيز التعاون في الإمدادات الطبية والصحة العامة    أمانة جدة تضبط معمل مخبوزات وتصادر 1.9 طن من المواد الغذائية الفاسدة    نائب أمير مكة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول "مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام"    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    1% انخفاضا بأسعار الفائدة خلال 2024    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    لمن القرن ال21.. أمريكا أم الصين؟    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    تجربة مسرحية فريدة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    لمحات من حروب الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نزعات الرواية وتوجهاتها في النصف الثاني من القرن الحالي
نشر في الحياة يوم 02 - 06 - 1999

عندما كان هاوي قراءة الروايات يذهب الى مكتبة فرنسية قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية كان يسأل "هل عثرتم لي على رواية "الأولاد المزعجين الشياطين لكوكتو
Cocteau"؟ ما أحدث ما نشره برنانوس Bernanos؟ أليس لديكم رواية جديدة لموران Morand؟، أما اليوم فيقول أريد الكتاب الذي نال جائزة غونكور Goncourt، أو ما اسم هذا الروائي ذي الشوارب الذي ظهر البارحة على التلفزيون.
إن كان هذا الاختلاف في المنطق يدل على تطور العلاقة بين الكاتب والقارئ فهو يدل بشكل خاص على تغير طبيعة الانتاج الروائي بين النصف الأول والنصف الثاني من هذا القرن.
تُرى هل انتقلنا من حقبة كانت حافلة بالإصدارات الأدبية المهمة الى مرحلة يفرض الانتاج الراهن نفسه؟
كل تاريخ أدبي يعيش من خلافاته، وتتميز حقبة الرواية الجديدة التي بدأت في فرنسا بعد انتهاء الحرب العالمية بالروائيين الجدد. ولكن من الغباوة والظلم استثناء الكتاب الأكثر شهرة من الجيل السابق الذين يتابعون نشر "روايات جديدة" مستفيدين من شهرتهم لدى جمهور واسع النطاق. خصوصاً ان معظم الكتب الأدبية التي تهتم بمقابلة الأجيال تنسى أن الأجيال تتكامل.
وينتمي الروائيون جان جيونو Jean Giono ول.ف.سيلين L.F.Cژline ولويس أراغون Louis Aragon وجوليان غرين Julien Green ومارسال أيمي Marcel Ayme وجوزيف كيسيل Joseph Kessel الى أدب ما قبل الحرب.
لكن الطور الثاني لأعمال جيونو بدأ عام 1950 مع نشر روايته "الفارس على السطح" Le Hussard sur le toit. كما ان سيلين أخبرنا عن آخر سفر قام به في D'on Chateau L'autre عام 1957. فيما ظهرت رواية "الأسبوع المقدس" La Semaine Sainte إحدى أهم روايات أراغون عام 1958. وهل يجدر بنا التذكير أيضاً بأن جوليان غرين الخالد واللازمني هو الآن في طور اتمام أحد أعماله الأدبية؟ وان ثلاثية "مارسال ايمي" "سفر"، "طريق التلامذة"، "أورانوس"، نشرت بعد تحرير فرنسا وان كيسيل يعدنا، بالإضافة الى رواية "الأسد" بأربعة أجزاء لروايته "برج التعاسة"؟ Tour de Malheur.
وبالطبع ليس صدفة أن يتخلى العمالقة: مالرو Malrauxومورياك Mauriac ومارتان دوغار Martin du Gard عن الرواية حتى ولو خبأوا لنا أعمالاً مهمة للمستقبل. فقد قلب التاريخ المحابر.
قبل ان نتطرق الى نزعات الروائيين الشباب واتجاهاتهم آنذاك وقبل التعرف الى الجيل الذي وُلد خلال الحرب وفي مرحلة صراع الأفكار يجب تقويم ظاهرة بارزة: الإدراك الخاطئ للوضع الأدبي الذي أدخله أهل الفكر الى فرنسا في الخمسينات، حين ظهر مفصل حاد في تطور الأدب، تمظهر في انتاج غزير غير قابل للتحديد عند الكتّاب أنفسهم.
ونذكر أن الكتّاب الأكثر تجسيداً لتيار معين يصبحون أحياناً أكثر تنوعاً في انتاجهم كجان دورميسون Jean d'ormesson ودومينيك فرنانديز Dominique Fernandez وفيليب سوليرز Philippe Sollers. ومما يضيع القارئ الذي لا يساعده النقد كثيراً، فالقارئ ضحية التسمم الفلسفي وإرهاب المدارس الفكرية والمرايا المضخمة لوسائل الإعلام.
ولا نستطيع تكوين فكرة واضحة عن السنوات الخمسين الماضية من دون الرجوع الى المواقف العنيفة التي اتسمت بها حقبة ما بعد الحرب حيال ما سُمي بالأدب الماضوي، بدءاً من كتاب "ما الأدب؟" 1948، لجان بول سارتر Jean Paul Sartre إلى مقالة "عصر الشك" 1956 لنتالي ساروت Nathalie Sarraute مروراً بالطبع ببيان "الرواية الجديدة" 1955 الذي جمع روائيين لا يهتمون إلا باعتبار أنفسهم مجددين وذلك بتحويل الأشياء الى أشخاص، والأشخاص الى أشياء من ألان روب غريية Alain Robbe Grillet الى كلود سيمون Claude Simon، ومن روبير بنجيه Robert Pinget الى جان ريكاردو Jean Ricardou، أما الموهبة الوحيدة التي تميز بها الذين انضموا الى هذه المدرسة كما ينضم المرء الى حزب أو الى رعية بمباركة رولان بارت Roland Barthes فتكمن في ما يسمى "أزمة الرواية".
وأحدث الإرهاب الأدبي ضجيجاً أشبه بصخب المفرقعات.
فألان روب غرييه وجد سعادته في عالمه المغلق المصغَّر قبل أن يعترف بأن هذه الكذبة، التي أدت الى مجافاة الرواية الفرنسية في الخارج، خصوصاً في الولايات المتحدة، طالت بما فيه الكفاية، قائلاً: "من الغريب أن يفسح القراء مجالاً لاستغلالهم الى هذا الحد وليسوا كلهم مجردين من الذكاء والإحساس".
غير ان الحيل المزيفة التي تعرضت لها اللغة التحتية تعاقبت بدعم جهات عدة: مجلة Tel Quel مع فيليب سولرز ونزعة "alittژrature" اللاأدب التي روّج لها كلود مورياك Claude Mauriac ونظرية "الفعل ورد الفعل" tropismes الغالية على قلب ناتالي ساروت، التي تنطلق من الأحاسيس البسيطة المجرّدة وردود الفعل عليها. وخصوصاً حركة "النقد الجديد" التي أوحى بها رولان بارت. إن الرواية الإختبارية سجلت حقبة مهمة في التاريخ المضاد للرواية الفرنسية.
ربما تشكل دراسة الهويات المنتحلة في تلك المرحلة الأدبية أمراً لا يستهان به. وليس على سبيل المبالغة أن نذكر أن الذين أرادوا أن يكونوا مجددين في الرواية كانوا متورطين وغارقين في الفلسفة الملتهبة "للأدب الملتزم" أكثر منهم روائيين حقيقيين. وفي مقدمهم سارتر الذي لم يستطع أن يذهب الى أبعد من روايته "دروب الحرية" متحولاً الى الشكل الذي كان أدانه، وكذلك الأمر بالنسبة الى ميشال ليريس وموريس بلانشو. إذ كلما زادت النظريات تميزاً كلما ضاقت منافذ الرواية التي لن تجد منافذ حريتها إلا بالتفلت من النظريات. وهذه المنافذ تشكلها تأثيرات خارجية ورد فعل محافظ في الوقت نفسه.
وتعود عبقرية الأدب الفرنسي الى حاجته الطبيعية الى لثورة والمعارضة وتعاقب المدارس الفكرية، ولا تشمل السجن داخل قفص أو في مذهب أو أسوأ من ذلك في مبدأ "الأدب الملتزم" الذي كان الشعار الموجب ل"الأزمنة المعاصرة"، مجلة سارتر الشهيرة واتباعه من سان جيرمان دو بري Saint Germain - des - Prژs في زمنٍ كان يفسح المجال أمام الأفكار لتتحرر. ان "التشكيك" أمر و"التنظير" أمر آخر، وبالطبع لا يكفي أن توضع الرواية موضع الاتهام لكي تنهار، ولكن نتيجة للمحاكمة التي خضعت لها الرواية في فرنسا يمكن تفسير ظهور التيارات المختلفة وانشقاق "النوع" الأدبي وبالتالي تضخمه وضياع وعوده.
خسارة المعالم
شكل هذا الوضع حافزاً ممتازاً للقيام برد فعل بطرق مختلفة. واتضح ان التيار المضاد للرواية يعج بمشاكله المدهشة. ولن نستطيع انكار طابعه الذي قلّص اندفاعة بعض الروائيين الشبان كجان لويس كورتيس Jean Louis Curtis وغيره. إلا أن الأثر المعاكس له أدى الى تكوين جماعة اتخذت اسم "الفارس" Hussards وهذه حالة مميزة جمعت حول "روجيه نيميه" Roger Nimier الروائيين "جاك لورا" Jaques Laurent وميشال ديون Michel Dژon وغيرهم من المؤيدين الأقل أهمية. وشكلوا آخر دعم لهذه الرواية "الفرنسية" التي تعرف كيف تخترق الزمن. وفي الحقيقة ان الذوق السائد كان يجنح بقوة باتجاه الرواية - الربورتاج، والرواية الشاهد اللتين برزتا في حقبة ما بعد الحرب.
وفي منتصف القرن برز مؤلفان هما جان بول سارتر والبير كامو Albert Camus. جذبا بإنتاجهما نصف الفلسفي ونصف الرومانسي مشددين على فرادتهما بهذا التوازن الثقافي مجموعة من الكتّاب تناولوا موضوع الإنسان بشكل أساسي، ولكن كل كاتب على طريقته الخاصة. فانفتحت الرواية على المسائل الماورائية. واسترجع الخيالي حقوقه مظهراً تنوعه. وبدأ البحث عن أمثولات في الأخلاق وفي السياسة. ففي نهاية الحرب العالمية كان وقت التساؤل عن العبث.
ومن هنا بدأ تشتت الرواية لحسن حظها. وهذا واضح بدءاً من رواية "الغريب" التي لم يتم اكتشافها في العاصمة إلا بعد التحرير، و"الطاعون" لكامو، فرواية "شاطئ الرمال المتحركة" لجوليان غراك Julien Gracq، الى "سد في وجه المحيط الهادئ" Barrage contre le Pacifique لمارغريت دورا Marguerite Duras، ومن ثمَّ رواية "آخر العادلين" Dernier des Justes لأندريه شوارز بارت Andrژe Schuarz - Bart و"وعد الفجر" لرومان غراي Romain Gray الى "سأعيش حب الآخرين" لجان كايرول Jean Cayrol.
ونستطيع من جديد قراءة ما حرمنا منه إذ بدأ الروائيون المعاصرون إدخال مفاهيم الأدب الأجنبي مضموناً وشكلاً، وانفتح الكثيرون منهم على القيم الجديدة التي يحفل بها أدب جويس وبورخيس وفوكنر وكافكا وبوزاتي. فالكتب تُصنع أيضاً من الكتب وتتغذى بها.
أصبحت فرنسا المحررة بلداً منفتحاً على العالم الخارجي أو بالأحرى على العالم وحسب. فقد أدركت الرواية "الفرنسية" أخيراً مفهوماً جديداً نادراً ما كانت هذه الحال قبل الحرب يقوم على امحاء الحدود والتفتيش عن كتّاب أجانب بإمكانهم أن يُغنوا الحس الثقافي لديها. وبفضل الفرانكفونية أغنت دول الشرق الأوسط والمغرب الرواية الفرنسية بواسطة تأثيراتها السحرية وخيالها وأساطيرها وحقائقها. إزاء منطق العبث الذي أحيته الرواية الوجودية وإزاء الأشكال الكلاسيكية للرواية النفسانية التقليدية، تقف وتتكامل عبقرية وقوة الإسلام الذي يحاول اسماع صوته وخصوصاً في الرواية.
لا وجود لكتابة مُسالمة، وهذا ما ندركه عند كاتب ياسين وألبير ميمي ومحمد ديب ودريس شرايبي وطاهر بن جلون ورشيد ميموني ورشيد بو جدرا وغيرهم... والجدير ذكره ان بروزهم وتصدرهم اللائحة الأدبية لم يأتِ من طريق الصدفة، والأمر مماثل لدى أدباء أفريقيا السوداء الذين انتقلوا من الكلمة الى الكتابة بطريقة سحرية كأمادو كوروما Amadou Kourouma وهنري لوبيز Henri Lopes وأديا في J.M.Adiaffi الى بوبكار ديوب Boubakar Diop. كذلك الأمر في لبنان في الظل والنور المستعاد وفي الخوف والارتجاف حيث روايات فينوس خوري غاتا وأندريه شديد وأمين معلوف. بالإضافة الى المد والجزر للجُزر الأكثر بعداً مع الروائي ساملونغ S.F.Samlong "جزيرة ريونيون"، ورفائيل كوفيان Rphael Confiantوباتريك شاموازو Patrick Chamoisean من دون أن ننسى المقاطعات الصقيعية لمدينة كيبك Quebec التي استعادت حيويتها، وتمكنت في مجال الرواية من الاستيلاء على أقوى سلاح في المعركة من خلال إجلال اللغة الفرنسية وتجدّدها على أيدي الروائيين ماري كلير بلي Marie claire Blais وآن هيبير Anne Herbert وأنتونين ماييه Antonine Maillet.
وفي الحقيقة لا يمكننا ذكر قائمة الرواية الفرنسية بعد الحرب من دون أن نعترف بأن أسماءها البارزة تتشكل الى حدّ كبير من كتّاب ينتمون الى جنسيات أجنبية. فإن الإندماج الذي أحدثه الأدب واقعة من وقائع العصر. سبق وذكرت في كتاب ظهر أخيراً أن هذا العنصر بارز ولكن قلَّما يسترعي الانتباه.
إلا أنه يكفي تعديد أسماء الان بوسكيه Alain Bosquet وميشال دل كاستيلو Michel Del Castillo وهيكتور بيانشيوتي Hector Bianciotti وفلاديمير فولوكون Vladinir Volokoh وميلان كونديرا Milan Kundera واندريه ماكين Andrei Makine، ومئات الكتّاب الفرنسيين أمثالهم الوافدين من مكان آخر.
وهناك ظاهرة أخرى تفيد التنوع في الأدب تجسدت بظهور عدد من "الروائيات" اللواتي، منذ التحرير، اكتشفن حقل الحرية من خلال الرواية مثل فرانسواز ساغان Franچoise Sazgan وسيليا برتين Cژlia Bertin وفرانسواز مالي - جوا Franچoise Mallet - Jois ودومينيك رولان Dominique Rolin وكريستيان روشفور Christiane Rochefort الى إدموند شارل رو Edmonde Charles - Roux، ويشكلن فرقة للحصول على مملكة لم يكن إلا مجرّد مدعوات اليها سابقاً.
ويجدر القول والتكرار ان الرواية خلال السنوات الخمسين الماضية قد اكتسبت قوتها بتفرّقها. فإن الرواية بسهولتها وسحرها وحتى بسخريتها تذهب أبعد مما يتوقع مؤلفها باتجاه طرق مفتوحة وجريئة.
وكانت هذه حال الرواية الخيالية لمارسال شنيدر Marcel Schneider وشاتو رينو Chateau reynaud، والرواية التاريخية لأرمان لانو Armand Lanoux وفرانسواز شاندرناغور Franچoise Chander nagor، والرواية الشعبية روبير ساباتيه وجورج إمانويل كلانسييه Georges Emmanuel Clancier، والرواية الصوفية لوك إستان Luc Estang، الى جوزيه كاباني Josژ Cabanis. ورواية السفر المُساري دومينيك فرنانديز Dominique Fernandez وجان رسبانيل Jean Raspael ورواية الأعراف جان دوترو Jean Dutroux وروجيه فريني Roger vrigny من دون العودة الى الواقعية مع ريمون غريران Raynomd Grژrin وبرنار كلافيل Bernard Clavel.
وعرفت السيرة الذاتية أن تتنكر. ولكنها اليوم تطالب بلباسها التنكري. وفي الحقيقة، ان الرواية تبدأ عندما يتخذ المؤلف مسافة من ذاته. والمذكرات المضادة تُكَوَّن من جديد رواية لدى المؤلف الذي يدّعي انه تخلى عنها. فهناك عدد كبير من الأعمال الأدبية التي تجد العذر اللازم "لتضليل الواقع". وهذا يذكرنا بأن الرواية، مهما كان شكلها، تبرر ذاتها من خلال منافستها مع الواقع. ويجسّد هذه النزعة بشكل واضح الروائيان جان دوميسون Jean D'ormesson في "ما يحلو للإله" وفرنسوا نوريسيه Franچois Norrissier في "امبراطورية الغيوم"، وسبق لأراغون وصرح بذلك من خلال اللجوء الى "الكذب الحقيقي".
هل تمر الرواية بأزمة؟ إذا كانت هذه الأزمة تنسب الى طابع الإنتاج الأدبي الذي لا يمكن تحديده فذلك لا يزعج إلا جامعي المختارات الأدبية، يجدر بنا أن نسر بالأحرى لدى إدراكنا ان الرواية الفرنسية اتخذت ألوانها من خلال التفلت من العقائد المؤذية واستقبال المُتخيل الآتي الينا من كل الأفاق والتوقف عن تلقّي الأوامر.
كل رواية عظيمة تعتبر ذاتها خارج كل المقاييس. وبعكس الأعمال الأدبية المهمة في القرن التاسع عشر التي عبّرت عن ذاتها في إطار العصر، فإن الرواية اليوم ترفض قوانين تحديد النوع الأدبي. ويشكل هذا الوضع تميزها وحدودها معاً. قد نتساءل عمّا إذا كان يغرينا الاحتفاظ بالكتاب الأبرز لدى الروائيين الفرنسيين الأكثر شهرة، بدل الاهتمام بإنتاجهم ككل. وهذه ظاهرة مهمة حتى ولو كان بإمكان الحس النقديّ التنقل من عنوان الى آخر.
ان اختيارنا ملك المائهات Le Roi des Aulnes لميشال تورينيه Michel tournier و"ثمار الكونغو" لألكساندر فيالات Alexandre Vialatte و"المحضر الرسمي" للو كليزيو Le Clژzio، و"الدراجة النارية الصغيرة" لبيار دو مانديارغ A. Pierre de Mandiargues. التعديل لميشال بوتور Michel Butor و"الأفعى في المعصم" لإرفي - بازان Hervژ Bazin و"الغول" لجاك شييس Jaques Chessex والعالم بعد المطر، لإيف برجيه Yves Berger و"الليلة المقدسة" لطاهر بن جلون و"موقع النجمة" لباتريك موديانو Patrick Modiano و"السيد الإله" لفرانز أوليفيه جيسبيرت Franz Olivier Giesbert و"الأم الروسية" لألان بوسكيه Alain Bosquet، اختيار واحدي إذاً قابل للنقاش ربما. ولكنه موحٍ ويكشف موهبة محددة. أما الروائيون الأكثر شهرة قبل الحرب فيعتبرون ان مقياساً كهذا محبط للغاية. بالنسبة الى مورياك وكوليت وبروست ومارتان دوغار وجيد وكوكتو وجيرودو وجول رومان، مقياس التقويم يجب أن يشمل العمل الأدبي كله. وهذا المفهوم يترسخ في فرنسا في كل موسم عند توزيع الجوائز لأن الكتاب يبرز لا المؤلف، على الأقل لدى القرّاء الذين لا يهتمون بتصحيح مسار الجوائز. كما أن المبيعات تثبت هذا الأمر بالذات ولا شيء آخر.
* ناقد فرنسي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.