أهم عنصر فاجأ المهتمين بالأدب الفرنسي هذا العام بالنسبة إلى جائزة "جونكور" التي تعد أهم جوائز فرنسا الأدبية وأعرقها أنها منحت "بيير لوميتر" البالغ من العمر الثانية والستين. والحقيقة أن سعادة هذا الكاتب بالجائزة لاتعزى إلى كونها تتيح له المجال لبيع مئات الآلاف من نسخ رواية "وداعا في الأعلى" التي منح من أجلها الجائزة والتي صدرت عن دار "ألبين ميشيل". فهو كاتب غير مقل. وقد لقيت رواياته ولا تزال تلقى رواجا كبيرا لدى القراء لسبب أساسي هو كونها تندرج في أدب القصص البوليسية. ولم يكن بيير لوميتر ولا الذين يعرفون مسار جائزة جونكور ينتظرون أن تمنح الجائزة هذا العام كاتبا متخصصا في هذا الشكل من أشكال الكتابة الإبداعية التي يقبل عليها القراء كثيرا في العالم كله ولكن النقاد والنشطين في أكاديميات العمل الإبداعي الأدبي ينظرون عموما إلى هذا الشكل من أشكال الكتابة بوصفه لايستحق الجوائز الأدبية. ولكن ما الذي جعل لجنة تحكيم جائزة "جونكور" تقدم على منح كاتب بوليسي جائزتها هذا العام؟ لقد رد "برنار بيفو"- الناقد والمنشط التلفزيوني الشهير الذي ساهم إلى حد كبير في دفع كثير من الفرنسيين إلى الشغف بالمطالعة- على السؤال فقال إن الأدب الشعبي الذي تخصص فيه "بيير لوميتر" يستحق فعلا أن يوصف بالشعبي بمعنى الكلمة الإيجابي لا السلبي مضيفا أن السخرية اللاذعة التي يلجأ إليها الكاتب وهو يصف شخوص عوالم روايته تجعله فعلا في مرتبة كبار الكتاب بصرف النظر عن شكل الكتابة التي تعود الكاتب عليها وسيطر على تقنياتها. ويستمد الفائز بجائزة "جونكور" هذا العام عوالم روايته من يوميات الحروب وبالتحديد من واقع الفرنسيين الذين شاركوا في الحرب العالمية الأولى والذين سرحوا من الخدمة العسكرية بعد نهاية الحرب وأهملوا والحال أنهم رأوا النجوم في الظهر الأحمر في الخنادق التي أقاموا فيها لأشهر وأحيانا لسنوات تحت القصف والبرد والجوع. «بيير لوميتر» الفائز بجائزة «جونكور» ثورة النساء ما فاجأ غير المطلعين على مسار جائزة "جونكور" أيضا هذه السنة أن جمعية نسائية تحمل اسم "اللحية" أصرت على التظاهر أمام مطعم "دروو" الباريسي الذي تجتمع فيه كل عام لجنة الجائزة لاختيار اسم الفائز وإعلانه. فقد تظاهرت الناشطات في الجمعية وهن يضعن لحى اصطناعية احتجاجا على مايعتبرنه إجحافا في حق المرأة المبدعة. وواضح من خلال الأرقام التي قدمنها وهن يحتججن على لجنة تحكيم جائزة "جونكور" أن في احتجاجهن كثيرا من المنطق. فالجائزة التي أطلقت قبل مئة وعشرة أعوام وسلمت مئة وتسع مرات كان نصيب الكتاب الرجال منها تسعا وتسعين مرة. وليست هذه هي المرة الأولى التي تحمل فيها النساء على لجنة تحكيم جائزة "جونكور". فجائزة "فيمينا" إحدى الجوائز الأدبية السنوية الفرنسية الهامة أطلقت بسبب هذا المأخذ على لجنة "جونكور". فقد كان وراء إنشائها اثنتان وعشرون صحافية وناقدة. وكل أعضاء لجنة التحكيم فيها نساء. ولكن الجائزة ليست حكرا على الكاتبات برغم أن الفائز بها هذه السنة كاتبة كاميرونية الأصل ومستقرة في فرنسا. وإسمها "ليونورا ميانو". أما الرواية التي فازت بسببها بالجائزة فعنوانها "فصل الظل" وهي صادرة لدى دار "غراسييه". وفي الرواية وصف دقيق لعوالم الاتجار بالرق الذي ازدهرت سوقه في أوروبا خلال القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر وكانت إفريقيا السوداء مصدر العبيد في تلك الفترة. وتتطرق الكاتبة التي تبلغ الأربعين من العمر إلى هذه العوالم انطلاقا من قبائل "المولانجو" الكاميرونية التي كانت ضحية هذه الظاهرة. هوية الأب والأم أما الفائز بجائزة "رينودو" إحدى جوائز فرنسا الأدبية الهامة هذا العام فهو كاتب يبلغ من العمر الخامسة والأربعين ويدعى "يان مواكس" وقد درس العلوم البحتة والتجارة والفلسفة والعلوم السياسية والفنون السمعية البصرية. وعنوان روايته الفائزة بالجائزة "ميلاد" وهي صادرة هي الأخرى عن دار "غراسيه". وجاءت في 1200 صفحة. وهي تزن كيلوغراما وثلاث مئة غرام. ويقول عنها صاحبها مازحا إن حجمها يشبه حجم بطن المرأة الحامل في الشهر التاسع. وملخص الرواية فكرة مفادها أن معترك الحياة يجعلنا يوما أو آخر نشعر بأن أشخاصا نلتقيهم أحيانا بالصدفة يصبحون قريبين جدا منا كما لو كانوا آباءنا وأمهاتنا. بل إن "يان مواكس" يذهب إلى حد القول إن كلابا تشاطرنا مشاعر الحزن الفرح نستطيع التعامل معها كما لو كانت آباءنا وأمهاتنا. ويضيف قائلا إن الأبوة والأمومة في الحياة الدنيا لا تعني رجالا ولدنا من صلبهم أونساء أتينا من رحمهن بل تعني في المطلق علاقة جارفة قد نقيمها مع رجل أو مع إمرأة أو كائن آخر نشعر بأنه يضطلع بشكل جيد بهذا الدور لايمكن أن ينافسه فيه أي كائن آخر. «ليونورا ميانو» الحائزة على جائزة « فيمينا» «يان مواكس» الفائز بجائزة « رينودو»