تكاد وسائل الاعلام والدعاية والعرض والتقديم، وهي التي تتعهد في بلد صناعي مثل فرنسا عملية تسويق النشر، وتشفعه بطقوسية باتت تلازم "الاقتصاد السياسي" للكتاب ورواجه، تكاد هذه الوسائل تجمع على اعتبار عالم الاجتماع والاناسة المعروف بيار بورديو نجم الموسم الادبي الفرنسي لهذا العام. فالباحث المذكور يتمتع بصيت عالمي ينضاف الى كونه محاضراً في "الكوليج دو فرانس" المرموق والعتيد ومشرفاً على مجلتين للبحوث الاجتماعية وأطلق منذ اشهر حملة من اجل اعادة الاعتبار للحركات الاجتماعية ولمقاومة ما يسميه بالاجتياح النيو - ليبرالي. وقد اثار بورديو مع تلامذته وأتباعه ومريديه مناظرة لم تقتصر على الجامعيين والباحثين بل طاولت الاحزاب السياسية الفرنسية التي لم يتوان انصارها ومثقفوها عن الرد على دعوة بورديو. ومنذ بضعة ايام صدر لبورديو عن دار "سوي" في باريس كتاب بعنوان "السيطرة الذكورية" وفيه يتناول الباحث مفاعيل السيطرة هذه مستنداً الى تجربة ميدانية اناسية عاشها بورديو في منطقة القبائل الجزائرية. في الوقت ذاته صدر كتاب عن دار "غراسيه" للمؤرخة الفرنسية جانين فيرديس - لورو وهو كتاب موغل في السجالية وعنوانه "العالم والسياسة، محاولة قراءة وشرح حول الارهاب السوسيولوجي لبيار بورديو"، والحال ان المنحى السجالي والاستغراق في الادانة والدحض جعلا هذا الكتاب، على ما يبدو، دون مستوى المناظرة التي اطلقها بورديو. وقد لا يكون مستغرباً ان تحتل الرواية واجهة الموسم الادبي في فرنسا، ما دام الاستغراق في النثر، غثّه وسمينه، بات منذ سنوات سمة التعبير في مجتمع يقلّ فيه الشعر ويتضاءل الى حد الوشاية بوجود ازمة. يبقى قياس معدلات الارتفاع والهبوط سنة بعد سنة. وبهذا الصدد تفيد الاحصاءات بأنه سيصدر من الآن وحتى منتصف شهر تشرين الاول أوكتوبر حوالى 545 نصاً ادبياً ما بين رواية وقصة ومحاولة، اي بزيادة تبلغ نسبتها 12 في المئة بالمقارنة مع حصاد النشر في السنة المنصرمة. ويبدو ان ازمة سوق الكتاب دفعت بالناشرين الى الاهتمام بالنصوص الجديدة. ومعنى هذا ان عدد الروايات الاجمالي يميل هو ايضاً الى الارتفاع، اذ سيصدر في هذا الموسم 295 عنواناً مقابل 270 في العام الفائت. وتتصدر دارا نشر "غليمار" و"غراسيه" لائحة النشر الروائي وتليهما مباشرة دارا نشر "سوي" و"أكت سود". ولكن يلاحظ، من جهة ثانية تدني نسبة الروايات الاولى اذ ان عددها سيكون 58 مقابل 63 في العام الفائت و74 منذ عامين. وتجدر الاشارة الى ان الكتّاب الذين ينشرون نصوصاً روائية للمرة الاولى ينتمون الى قطاعات مهنية شديدة الاختلاف كما ان اعمارهم تتراوح بين الثالثة والعشرين والخامسة والسبعين. اما في مجال الادب الاجنبي، فإن حصيلة النقل الى الفرنسية تبلغ 153 رواية ومجموعة قصصية مقابل 135 في عام 1997، وأكثر من نصف هذه النصوص مأخوذ من اللغة الأنغلو - سكسونية، ومن ثم تأتي بالتدريج النصوص المنقولة من الايطالية والاسبانية واللغات الاخرى بما في ذلك العربية. وها هنا، اي في ما يتعلق بالنصوص العربية، لا مناص من الالتفات الى برنامج النشر للاشهر المقبلة في دار "سندباد - أكت سود" ما دامت هذه الدار تمتلك دون سواها "سلسلة عربية وشرقية" يشرف عليها فاروق مردم بك" علماً بأن الدور الاخرى تنشر احياناً نصوصاً من العربية، ولكن بدون انتظام وتقليد نشري راسخ. في شهر أيلول سبتمبر الجاري يصدر اذاً عن دار "سندبد - أكت سود" كتاب للروائي اللبناني رشيد الضعيف، بعنوان "عزيزي السيد كواباتا" ضمن سلسلة "ذاكرة المتوسط" وبترجمة إيف غونزاليس. كما يصدر للمستشرق الفرنسي الراحل والمعروف جاك بيرك كتاب نافد وهو "علماء، مؤسسون ومتمردون في المغرب في القرن السابع عشر". وفي شهر تشرين الاول أوكتوبر تصدر مجموعة قصصية لنجيب محفوظ بعنوان "صباح الورد" بترجمة إليزابيت شحاته، كما يصدر كتاب بعنوان "مدينية عربية" وهو مجموعة دراسات مهداة الى ذكرى المؤرخ الراحل برنار لوبيتي، جمعتها الباحثة جوسلين دخلية. ويصدر كتابان ضمن سلسلة "الشرق المفتوح الشهية"، احدهما لفاروق مردم بك وبعنوان "مطبخ زرياب"، وهو مجموعة مقالات مطبخية شيقة سبق نشرها في مجلة قنطرة الصادرة عن معهد العالم العربي في باريس، والثاني بعنوان "المازة اللبنانية" من تأليف الباحث اللبناني رودولف القارح. وفي شهر تشرين الثاني نوفمبر تصدر رواية "أهل الهوى" للكاتبة اللبنانية هدى بركات، بترجمة فرنسوا زبّال، ورواية "أيام الانسان السبعة" للكاتب المصري الراحل عبدالحكيم قاسم بترجمة ادفيج لامبير. كما تصدر ترجمة عن الفارسية لوقائع رحلة قام بها تاجر من بخارى، اسمه ميرزا حكيم، الى أوروبا الغربية والى إيران اثناء اندلاع الثورة الدستورية المعروفة بالمشروطية في اوائل القرن هذا، والنص بعنوان "تحفة أهل بخارى". في شهر كانون الثاني يناير تصدر رواية "خان الخليلي" لنجيب محفوظ بترجمة جيل وفايزة لاذقاني، ورواية "فقهاء الظلام" للكاتب السوري سليم بركات، بترجمة فرنسوا زبّال. وفي شهر شباط فبراير تصدر رواية "وردية ليل" للكاتب المصري ابراهيم أصلان بترجمة أمينة رشيد وأرليت تادييه، كما تصدر مختارات من كتاب "نشوار المحاضرة" للقاضي التنوخي بترجمة يوسف الصديق. وفي شهر آذار مارس تصدر رواية "شطح المدينة" للكاتب المصري جمال الغيطاني، بترجمة خالد عثمان. ويمكننا ان نشير كذلك الى صدور الرواية الثانية للكاتب اللبناني بالفرنسية غسان فواز وهي بعنوان "تحت سماء الغرب" وقد صدرت منذ ايام عن دار "سوي". ثمة جانب يستحق الملاحظة لأنه يطاول بعض وجوه سوسيولوجيا التأليف الفرنسي، وهو صدور نصوص لأبناء كتّاب وفنانين معروفين، راحلين او أحياء. فهناك كتاب لفرنسوا دوبريه ابن الوزير السابق والسياسي الديغولي ميشال دوبريه، وكتاب للوي ماسبيرو ابن فرنسوا ماسبيرو، وآخر لتيفاني تافيرنيه ابنة المخرج السينمائي والكاتب برتران تافيرنيه، وكتاب لمارك بندا وهو حفيد الكاتب جوليان بندا الذي وضع في العشرينات كتاباً عن المثقفين طار صيته. في حقل التاريخ نلحظ اهتماماً بموضوعين اثنين، الاول هو الحرب العالمية الاولى، وذلك بمناسبة الذكرى الثمانين لنهاية الحرب عام 1918، والثاني هو تاريخ اصل الانسان. غير ان شواغل اخرى للبحث التاريخي تستدعي الالتفات ونذكر مثلاً كتاب "ولادة طبقة النبلاء، بزوغ النخب في الغرب" للمؤلف كارل فرديناند ويرنر، ويصدر عن "فايار"، وكتاب لرينيه ريمون حول "الدين والمجتمع في أوروبا" سوي، وكتاب عن "الفاشية والشيوعية" للمؤرخ الفرنسي الراحل فرنسوا غوريه بالاشتراك مع أرنست نولت عن دار "بلون". كما يصدر عن دار "سوي" الجزءان الاخيران من "التاريخ الثقافي لفرنسا" بإشراف جان - بيار ريو وجان - فرنسوا سيرينلي. الى ذلك، تنصبّ بعض الكتب التاريخية لهذا العام على عهد نابليون بونابرت وتجربته وشخصيته ومراسلاته. ومن بين الكتب التاريخية التي تدور على السير والتراجم نذكر كتاب الباحثة المتخصصة في الشؤون السوفياتية هيلين كاريير دانكوس وهو عن الزعيم الشيوعي الراحل لينين ويصدر عن "فايار"، وكتاب عن فرنسوا ميتران وضعه الكاتب الفرنسي جن لاكوتور ويصدر عن "سوي"، وكتاب عن فرديناند دو ليسبس صاحب مشروع شق قناة السويس ويصدر عن دار "بيراث". في حقل التوثيق الادبي نشير الى الكتاب الضخم الذي وضعته الصحافية لور أدلر ويدور على حياة وشخصية الكاتبة الفرنسية مارغريت دوراس غاليمار، وكتاب ضخم هو الآخر عن الروائي الروسي دستويفسكي أكت سود، وكتاب عن الروائي الاميركي دوس باسوس ويصدر عن دار "بيلين". في حقل الفلسفة والعلوم الانسانية الاخرى، نشير الى كتابين يصدران عن دار "المنشورات الجامعية الفرنسية" PUF ويتعلقان بالفيلسوف لودفيغ ويتغنشتاين، وأحد الكتابين يحمل عنوان "ويتغنشتاين ضد هتلر" اذ يبدو ان الرجلين، الفيلسوف والديكتاتور، التقيا على مقاعد الدراسة. وفي اطار ادب المحاولات الفكرية نذكر كتاب جورج شتاينر بعنوان "خطأ - حكاية فكر يدور على السيرة" ويصدر عن دار "غاليمار". كما يصدر لدى دار "غراسيه" كتاب للناقد المعروف تزفتان تودوروف، بعنوان "الحدائق الناقصة"، وهو محاولة لكتابة تاريخ عقلاني للمذهب الانسانوي الفرنسي، ويصدر لدى دار "غراسيه" ايضاً كتاب احاديث ومقابلات مع الكاتب الراحل أرنست يونغر، بعنوان "آخر الشياطين". وعن دار "ستوك" يصدر كتاب للفيلسوف الراحل لوي آلتوسير بعنوان "رسائل الى فرنكا" كما يصدر للمفكر نفسه عن دار "المنشورات الجامعية الفرنسية" كتاب بعنوان "عزلة مكيافيلي". وهناك كتب اخرى اكثر كلاسيكية تتعلق بهيغل وهايدغر وديكارت وهانس غادامر. القواميس والمعاجم ذات الطابع الموسوعي حاضرة هي ايضاً هذا العام. فهناك معجم نقدي للعلم الكلاسيكي يصدر عن دار "فلاماريون"، ومعجم الاسطوريات للكاتب والشاعر الفرنسي إيف بونفوا "فلاماريون" ايضاً ومعجم عن الله لجيروم دوهاميل وجان موتاب ويصدر عن "ألبان ميشال"، والجزء الاخير من الموسوعة الفلسفية التي تصدرها دار "المنشورات الجامعية الفرنسية"، والجزء المذكور مخصص هذه المرة للخطاب الفلسفي.