ثمة حقيقة لا يمكن انكارها. لدى الشيشانيين شعور بظلم قديم لا يزال مقيماً. لم ترحم روسيا القيصرية شعب الشيشان. حرمته استقلاله وسيادته وحريته وفرضت عليه إرادتها ولونها. روسيا ستالين كانت اشد قهراً وبطشاً. حاولت تبديد الشعب وطمس هويته ومسح معتقداته. وبعد انفجار الاتحاد السوفياتي لم يقبل الكرملين حق الشيشان في الطلاق. اعتبر القبول بمثابة موافقة على تفكيك الاتحاد الروسي. لهذا اطلق الكرملين آلته العسكرية التي أحالت غروزني خراباً بموافقة بوريس يلتسن وفلاديمير بوتين. هذا الظلم المتمادي دفع أزمة الهوية في الشيشان الى أقصاها ودفع مزيداً من الانفصاليين الى أحضان الأصولية. لا بد من التسليم بوجود هذا الظلم قبل التطرق الى رسالة زعيم الحرب الشيشاني شامل باساييف والتي نشرت امس على أحد المواقع الداعمة لاستقلال الشيشان. وأقل ما يمكن ان يقال في الرسالة انها خطيرة. صحيح ان باساييف حمّل القوات الروسية مسؤولية الهجوم الذي أوقع اكثر من 300 قتيل في مدرسة بيسلان في اوسيتيا الشمالية. لكن الصحيح ايضاً هو انه اعترف بأن قواته اتخذت من تلامذة المدرسة ومدرسيها رهائن ووزعت العبوات في أرجاء مسرح العملية. وفي الرسالة نفسها يعترف باساييف بمسؤولية قواته عن تفجير طائرتين مدنيتين روسيتين ما أدى الى مقتل 90 راكباً وملاحاً، ومحطة قطار في موسكو سقط فيها عشرة اشخاص. مخيف هذا الاعتراف. ولنفترض ان القوات الروسية تتحمل مسؤولية ارتفاع عدد الضحايا بسبب الهجوم العشوائي لتحرير الرهائن. فهل يعفي ذلك باساييف من المسؤولية عن احتجاز الأطفال وترويعهم وتوزيع المتفجرات بينهم؟ وهل يحق لصاحب قضية استباحة دماء المدنيين والأطفال والنساء لتوجيه رسالة تذكر بعدالة قضيته؟ وهل يحق لمن يتهم السلطات الروسية بقتل المدنيين في الشيشان ان يدس "مسافرتين" انتحاريتين بين ركاب طائرتين مدنيتين؟ وبماذا يشعر في هذه الحال اي شخص يتعاطف مع حق شعب الشيشان في ان يعيش في ظل سلطة يختارها بحرية ووفق معتقداته وتراثه وتقاليده؟ كان الغرض من الهجوم إذلال روسيا ورئيسها وحكومتها وآلتها العسكرية والأمنية تماماً كما كان هدف هجمات 11 ايلول سبتمبر اذلال الجبروت الاميركي واطلاق الطلاق الدامي بين المسلمين والغرب. وبدلاً من ان تؤدي العملية الى دفع روسيا الى اعادة التفكير في سلوكها في الشيشان التقط قيصر الكرملين الفرصة. اعلن بوتين عن سلسلة اجراءات تقلص حق الأقاليم في اختيار سلطاتها معيداً الى الكرملين صلاحيات كان اضطر الى التنازل عنها في ربيع الديموقراطية. وفي موازاة ذلك، اعلن عن منح اجهزة الأمن وموازنات اضافية ومنح الجيش الروسي حق توجيه ضربات استباقية أو وقائية. مخيف هذا العالم الذي افتتحته هجمات 11 ايلول. حروبه بلا حدود أو ضوابط. المجموعات المسلحة تندفع بلا رادع أو وازع، والدول تزداد قسوة وميلا الى انتهاك مبادئ الديموقراطية والقانون الدولي. عبر دم الأطفال يذكر باساييف العالم بقضية شعبه لكن الانفصالي الشجاع القاسي بدا كمن يعمل في خدمة قيصر ومن دون ان يدري أو يرغب.