صدمت الصورة الفضائية المتلفزة المريعة لمشهد انهيار البرجين في الحادي عشر من أيلول سبتمبر للتو الفكر اليومي للثقافة العربية برد فعلٍ ملتبس ومعقد يختلط فيه بعض "الشماتة" مع إنكارٍ لما شرعت به السردية الرسمية الأميركية من اتهام أتباع لأسامة بن لادن باقتراف الجريمة. وكان الإنكار مشحوناًَ ضمناً بنكيرٍ على هذا العمل، وذهابٍ مباشرٍ إلى رمي مسؤوليته على "الشيطان" اليهودي. ومثّل ذلك نوعاً من آليةٍ باطنيةٍ في تبرئة الذات لنفسها من شناعة هذا الفعل، وتلبيسه بآخرها الذي يمثله ذلك الشيطان، واعتباره فعلاً "مؤامراتياً" على تلك الذات المقهورة التي ظهرت في الجانب الآخر وكأنها "تتشفى" بالأميركيين. إن رد الفعل هذا الذي تمتزج فيه بشكلٍ معقدٍ الشماتة والإنكار والنكير في شروط فتك الإسرائيليين بالفلسطينيين كان أحد المنابع الخفية لما حدث في هجمات الكاميكاز. وفي هذا الالتباس المعقد مالت الثقافة العربية في إنتاجها اليومي عبر منابر الرأي والسجال في الفضائيات والصحافة وشبكة الويب وفضاءات الحوار الشفهي إلى اعتبار ما حدث ما بعد الحادي عشر من أيلول على أنه مجرد سببٍ مباشرٍ أو ذريعةٍ لخطةٍ جهنميةٍ مسبقةٍ. وفي ذلك كانت الثقافة العربية بمعناها الديناميكي أي الذي يتعلق بالتفاعل التواصلي مع ما يحدث تلجأ إلى تاريخانيةٍ مبسطةٍ تكشف اللغز، وتعطي الذات اطمئناناً وهمياً. لكن الذات نفسها لم تبصر موقعها في ما حدث إلا بشكلٍ ملتبسٍ وحتى بشكلٍ متأخرٍ، ولقد أدلج اليمين الأوروبي والأميركي بطرقٍ عالمةٍ وإثاريةٍ حرب الحضارات قبل الهجمات. لكنّ من جهز النظرية بلباس الميدان لم يكن إلا راديكاليون عرب، صدف مع هجرة الأفكار وانتقالها أن كانوا عرباً - إسلاميين وكان يمكن في لحظةٍ ما أن يكونوا يساريين جدداً، وهؤلاء نشأوا في فضاء الثقافة العربية واجتماعها ومسرح تفاعلاتها ولم يهبطوا من كوكبٍ مجهول. نمت صناعة الإرهاب ووجهها اليميني المتمثل ب"حرب الأفكار" بشكلٍ لم تبلغه حتى صناعة الهولوكست، لكنّ هذه الصناعة ما كان لها أن تزدهر لولا أن هناك شيئاً عربياً - إسلامياً "لبيّساً" لها، يكمن في الوعي العربي بما حدث، ومراجعه التكوينية. وهو وعي ينطوي على منطقٍ انفعالي تاريخاني مبسط أو اعتذاري أو ثقافوي أو سياسي تبريري في وظيفته، وليس صالحاً لا معرفياً ولا سياسياً لقراءة أو معرفة ما تخلّق ويتخلّق خلف تحولات الأحداث والوقائع والأفكار من سمات عالمٍ لم يعد بكل بساطة مطابقاً لعالم ما قبل الحادي عشر من أيلول. كاتب سوري