الكتاب: الإسلام تحت الحصار المؤلف: د.أكبر أحمد بيروت، دار الساقي،2004 يوجه أكبر أحمد، عالم الانثروبولوجيا الباكستاني وأستاذ كرسي ابن خلدون للدراسات الإسلامية والعلاقات الدولية بالجامعة الأميركية في واشنطن، كتابه الجديد الذي يحمل عنواناً دالاً "الإسلام تحت الحصار 2004" إلى الدارسين وصناع السياسة وعامة المواطنين كما يقول، وهو يقصد بذلك الدارسين وعامة الناس من الغربيين، فالكتاب مصمم من أجل فك الحصار عن الإسلام الذي تفرضه رؤى سياسية واستراتيجية وإعلامية وإيديولوجيا عامة ومعادية للإسلام، من هنا فهو يتوجه إلى الدارسين، لنقل إلى دارسي الإسلام ليعيب عليهم نزعتهم الانتقائية في قراءة الإسلام وبالأخص بعد أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001، وبخاصة في حقل الإعلام. يقول أكبر أحمد "إن معظم النقاشات حول الإسلام، تتسم بطابع انتقائي" ص34 و"ان خبراء الإعلام الجاهزين على الفور كلهم مذنبون في مثل هذا الاستخدام الانتقائي للإسلام عموماً وللقرآن الكريم لتدعيم وجهات نظرهم الجاهزة..." ص 36 وسبق للمفكر الفلسطيني إدوارد سعيد أن بيّن في كتابه "الاستشراق": إن خبراء الإعلام مفعمون عن بكرة أبيهم بالاستشراق "وبالأخص الاستشراق التقليدي، الذي يفسر تخلف الإسلام على أنه ناتج جرثومة تخلف أبدي، أو عنف أبدي يستبطن رؤيته للعالم كما روّج لذلك الكثير من الباحثين الغربيين قبل أحداث الحادي عشر من أيلول وبعدها، وأنه بالتالي - أي الإسلام - محكوم بكره الغرب والحسد منه، كونه وصل إلى سقف التاريخ في حين عجز المسلمون عن ذلك. كذلك هو موجه إلى صناع السياسة والقرار والذين عادة ما يجهلون الإسلام، فتكثر زلات لسانهم الفرويدية التي راحت تتحدث عن الحرب الصليبية كما عبرت عنها زلة لسان الرئيس بوش الابن وكما يحلو لأكبر أحمد أن يستشهد بذلك. فهؤلاء عادة يجهلون العالم العربي الإسلامي، وما يقلق أنهم يستعيرون معظم بواعث التعبير عن رؤيتهم أيضاً من الاستشراق التقليدي، لذلك ليس غريباً أن يذكر إدوارد سعيد أن كتاب المستشرق المتفقه بالإسلام برنارد لويس "ما الخطأ الذي حصل" أصبح مرجعاً لمعظم صناع القرار ويدرس في الأكاديميات العسكرية. كذلك ليس غريباً أن ينهل صموئيل هنتغتون أطروحته عن صدام الحضارة من برنارد لويس كما صرّح رضوان السيد. ما يقلق أكبر أحمد، هو رؤية العامة للإسلام، التي تشترك مع ما عداها، برؤية تبسيطية تحصر الإسلام بالعنف والإرهاب، يقول أكبر أحمد "إن الأفكار المبسطة غالباً ما تستحوذ على الخيال" وعن هذه الأفكار تأتي في الصدارة فكرة صدام الحضارات وفوبيا الإسلام الذي عززته قراءات انتقائية عدة قام بها مستشرقون وإعلاميون وسياسيون. وهذا ما يفسر كل ذلك القدر الكبير جداً من سوء الفهم للإسلام الذي أظهرته الانتقادات الحادة التي أعقبت الحادي عشر من أيلول، التي جاء بها رجال ظلّت معرفتهم بالدين الإسلامي ملتبسة. وهذا ما جعل الإسلام في حال حصار، فقد بدا للكثيرين أن حرباً على الإسلام تحتل الواجهة، خصوصاً أن الانتقادات في وسائل الإعلام، كانت تدفع الجدال في الاتجاهات الخاطئة، فقد حل التحيز والكراهية محل التفكير والتحليل، وغابت الموضوعية تحت وطأة طبول الحرب التي راحت تدقها الإدارة الجديدة، معلنة بحسب أكبر أحمد بداية الجولة الأخيرة في صراعها مع الإسلام. لا يكتفي أكبر أحمد بالتشديد على غياب الموضوعية وسيادة التحيز، بل يسجل لنا ومن موقعه كباحث في حقل الانتروبولوجيا، هو غياب الانتروبولوجيا بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، في محاولة لفهم سر كره الإسلام للغرب إن كان ذلك لماذا يكرهوننا، ولماذا يحسدوننا، ولماذا يكرهون ديموقراطيتنا... الخ من التفسيرات المشحونة بردود الفعل. فإنه يسجل لنا، غياباً حقيقياً للإنجازات المهمة في حقل الانثربولوجيا في دراسة الظواهر الإنسانية في تاريخ البشرية. وعلى سبيل المثال، فهو لم يسمع ولو لمرة واحدة، باستشهاد أحدهم بأميل دوركهايم، الذي قدم إسهاماً علمياً في دراسته لظاهرة "الانتحار: دراسة في علم الاجتماع 1996" يقطع مع التفسيرات التقليدية لظاهرة الهجمات الانتحارية، فالانتحار ليس شاهداً على اضطراب عقلي، ولا خاصاً بدين معين كما يحاول أن يظهر ذلك المستشرقون والإعلاميون، بل هو نتيجة للاختلال في النظام الاجتماعي، ولاضطراب حقيقي في المعايير الأخلاقية التي تحكم العالم. وفي هذا السياق المتباين في رؤيته لظاهرة الهجمات الانتحارية، يقوم أكبر أحمد في فصل خاص ودال "عالم ما بعد الشرف" بعقد مقارنة تنطوي على مفارقة وتشهد على ضعف التواصل الثقافي بين العالم العربي الإسلامي والعالم الغربي. فقد كتب الشاعر السعودي غازي القصيبي، قصيدة شعرية في صحيفة الحياة في نيسان ابريل 2002، يمتدح فيها شابة فلسطينية في الثامنة عشرة من عمرها، كانت فجرت نفسها وقتلت بعض الإسرائيليين من المؤسف أن المترجم قام بترجمة القصيدة عن الإنكليزية من دون أن يكلف نفسه الرجوع إليها أو كتابتها في الحواشي. ثم كتب توماس فريدمان في عموده الشهير في "نيويورك تايمز" يرد على القصيدة، ويهزأ بكاتبها. من وجهة نظر أكبر أحمد، أن مفتاح الفهم في الكلمة التي سجلتها الشابة على الفيديو، فقد استخدمت الكلمات العربية الدالة على العار والكرامة والشرف. وأرادت أن تعير زعماء العرب النائمين على عجزهم عن العمل في مواجهة ذبح الفلسطينيين في الضفة الغربية، وعجزهم عن حماية الناس وممتلكاتهم. والأهم أنها كانت ترغب في عكس الرعب الذي يشعر به مواطنوها وذلك ببث الرعب في قلب العدو. من وجهة نظر أكبر أحمد، أن القصيبي أدرك ما تشعر به الفتاة من الألم، فكانت فعلتها في نظره التضحية الأخيرة والرمز الأخير للشرف في حين فشل فريدمان في تقدير ذلك الدافع، فأخذ ينظر إلى الحدث على أنه جريمة اغتيال خالية من الشرف وكان هذا شاهداً على فشل في التواصل الثقافي. وبعد... أستطيع القول إن هذا الكتاب البسيط في لغته ومرافعاته وفي متابعاته لما هو شائع في أوساط الانتقادات والحوارات التي تحدث هناك في الغرب الأميركي، مهم فعلاً، لا لصناع القرار، بل للأميركيين عموماً ومن هنا تأتي أهميته. * كاتب سوري.