لم تجد القوات الأميركية في بغداد غير الحواجز "الكونكريتية" الاسمنتية لحماية مواقع مهمة تشغلها في العاصمة العراقية، وبات مشهد الحواجز التي تضيّق الحركة على اهل بغداد مألوفاً. فقطعت شوارع وجسور واختفت ملامح بنايات وتغيرت مداخل احياء، وبات شارع ابو نؤاس مثلاً مقطع الأوصال، إذ ثمة حركة مسموح بها في اول 200 متر منه ثم تنتهي مع حواجز تمتد الى المركز الثقافي الفرنسي مروراً بالفندقين الأشهر الميريديان "فلسطين" ثم الشيراتون "عشتار"، وتنقطع ثانية عند الجسر المعلق وتنفتح عند موقع قريب من مقر "الحياة ال بي سي" وصولاً الى جسر الجادرية. واذا كان "شارع السعدون" يشكل مركزاً للحركة في بغداد فعلينا ان نتصور كيف ستكون حال الحركة فيه حين تحول دون المرور حواجز كونكريتية في ممر الذهاب وقبالة "فندق بغداد" الذي استهدف في اكثر من تفجير. مثير للسخرية نحو60 طريقاً اغلقت في شكل دائم او موقت، وهو ما جعل عابر السبيل في بغداد يذهب في طرق التفافية باتت ضيقة على اعداد السيارات التي سجلت تصاعداً مع استيراد نحو نصف مليون سيارة خلال اقل من سنة. واقفرت الطرق المؤدية الى "مجمع القصر الجمهوري" الذي بات يسمى "المنطقة الخضراء". وحتى من تتوافر له الفرصة بالدخول الى المنطقة الأكثر حماية في العراق اليوم، سيفاجىء داخلها بالأعداد الرهيبة للحواجز المنتصبة بارتفاعات عالية ولمسافات طويلة. ومن يدخل المنطقة للمرة الأولى سيتوه حتى لو عرفها جيداً. الحواجز الكونكريتية تصنع في شمال العراق مصاعب قوم عند قوم فوائد وتباع الى القوات الأميركية التي تستقطعها من الميوازنة العراقية، وهو ما يعتبره المواطن كاظم الموسوي باعثا على السخرية: "ندفع مالاً كي نعيش في اقفاص هي اليوم طرقات بغداد". والمتضررون من الحواجز الكونكريتية كثر، ومن بينهم اصحاب المطاعم الكثيرة في شارع ابو نؤاس والمعروفة بطريقة مميزة لشواء السمك، "السمك المسكوف". لكن هؤلاء يأملون في ان يقصدهم زبائن على رغم مشهد شارعهم المقطع الأوصال لتعود امسيات طالما ارتبط بها الشارع المعتمد أصلاً على زبائن المطاعم والكازينوات المطلة على نهر دجلة. "المستفيدون" من الحواجز قلة، ومن بينهم سائقو التاكسي، فأصحاب السيارات باتوا يضيقون بقيادة سياراتهم الى مركز بغداد المختنق وعدد من نقاط الحركة البارزة فيها، فيستقلون التاكسي رحمة بأعصابهم وأماناً لسياراتهم، ذلك ان الحواجز التي ضيقت الحركة، قللت من فرص ايجاد امكنة لإيقاف السيارات. وسائل الإعلام العراقية تكتب بسخرية تارة عن مشاهد الحواجز التي تثير الضيق، وبنقد شديد تارة اخرى، وهي ترى ان اغلاق شارع ما او منطقة بعد كل انفجار يعني ان البغداديين قد يجدون انفسهم ذات يوم في ما اشبه بالجزر المنفصلة. غير ان السخرية والنقد اللاذع لا يبدوان قادرين على ايقاف حركة عشرات الشاحنات التي تنقل يومياً المزيد من الحواجز.