تحول سليم سحاب إلى ظاهرة فنية نادرة. فالموسيقى العربية عرفت على يديه للمرة الأولى معنى "المايسترو النجم" الذي يكفي اسمه لجذب الجمهور إلى المسارح بصرف النظر عن اسماء العازفين او المطربين أو الملحنين. وصارت لافتة "كامل العدد" مألوفة في دار الاوبرا المصرية في جميع حفلات فرقتي "القومية العربية للموسيقى العربية" و"كورال الاطفال" اللتين يقودهما. وفي حوار مع "الحياة" أكد سليم سحاب أن الموسيقى العربية تحتاج الى قائد مثقف وموهوب يتولى التنسيق والتوليف بين الآلات المختلفة وهو الدور نفسه الذي كان المطرب يلعبه في الماضي، ولم يعد الآن يصلح لأدائه إلا المايسترو، ويعتقد سحاب أن برامج اكتشاف المواهب الفنية لن تعيد عصر الازدهار الموسيقي من جديد لأن المطرب العظيم يحتاج الى شعراء وملحنين عظام، وهو ما يتطلب مناخاً ومؤسسات مختلفة. وهنا نصّ الحوار: كيف بدأت حكايتك مع الموسيقى؟ - المدرسة الأولى التي تعلمت فيها الموسيقى هي المنزل، فقد نشأت على سماع الموسيقى طوال الوقت ولم تكن تنقطع إلا وقت النوم وبخاصة تراث ام كلثوم وعبدالوهاب. وفي سن العاشرة بدأت تعلم الموسيقى في شكل منهجي واصبحت أدرس الموسيقى الكلاسيكية الأوروبية الى جانب الموسيقى العربية حتى دخلت "الكونسرفتوار" بعد حصولي على البكالوريا وكنت اجمع بينه وبين دراسة اللغة الانكليزية والمحاسبة إلى جانب عملي في المصرف تلبية لرغبة والدي حتى حصلت على منحة دراسية في الاتحاد السوفياتي، وهناك بدأت مرحلة جديدة في حياتي فعملت في قيادة كورال اكاديمي وحصلت على الماجستير سنة 1976 في قيادة الاوركسترا السيمفونية والاوبرا، وبعد عودتي الى لبنان عملت حفلات للاوركسترا السيمفونية الى جانب عملي كناقد ومؤرخ موسيقي حتى اسست سنة 1980 فرقة بيروت للموسيقى العربية. وسنة 1987 حدث تحول في حياتي بلقاء السيدة رتيبة الحفني في مهرجان موسيقي في موسكو فدعتني الى القاهرة لقيادة حفلات فرقة ام كلثوم ولم اتردد لحظة في القبول. يقال إن المايسترو هو ملحن فاشل... هل كنت تحلم بأن تكون قائداً لفرقة موسيقية؟ - لم أحلم أبداً إلا بقيادة الفرقة الموسيقية، ومنذ سن العاشرة وأنا أغلق على نفسي باب الغرفة واشغل اسطوانات كلاسيكية وامثل انني المايسترو حتى أنهك. أما عن التلحين فأنا كما يقول أبو الفرج الاصفهاني عن نفسه "يأباني جيدة وأأبى رديئة". أسست كورال الاطفال، ماذا عن هذه التجربة؟ - سبق أن نفذت هذه التجربة في لبنان. وحينما اقمت في مصر كونت الفرقة وعرض علينا اكثر من ألف طفل اخترت منهم 250 وبدأت في تدريبهم حتى ظهر الكورال واقمنا اجمل الحفلات، والتعامل معهم اصعب من الكبار. أخشى التكرار كيف تستعد للحفلات المهمة؟ - استعدادي لأي حفلة يكون بالتدريبات المكثفة في الاوبرا فأنقطع وأنعزل في هذا اليوم عن الناس في غرفتي واكون في حال تأمل تام إلى أن اقف على المسرح ويكون شعوري بالمسؤولية عالياً جداً وأشعر بالرهبة وقلق شديد واعتقد ان سبب نجاح اي فنان ينبغ من قلقه الشديد على نجاحه. كيف تختار اغاني الحفلات؟ - عملية اختيار الاغاني تكون صعبة خصوصاً بعد مرور 15 سنة على اختياري للأغاني فأصبح من الصعب ايجاد شيء جديد لم يقدم. أخشى من التكرار والملل وأحاول كل مرة إدخال اغاني جديدة لم تقدم من قبل حرصاً على التجديد والاضافة... وايضاً يكون الاختيار وفقاً للامكانات الصوتية للمطربين، والاستعانة في بعض الأغاني بالآلات الموسيقية نفسها التي كانت مستخدمة في التسجيل الاصلي للاغنية. ما أهمية مهنة المايسترو في الموسيقى العربية على رغم أن المطرب كان تاريخياً هو القائد الحقيقي للتخت؟ - في القرن 19 كان المطرب هو المحور الذي تدور حوله الموسيقى والفرقة فقط تعزف... اما في القرن ال 20 ومع دخول التأليف الموسيقي على يد الشيخ سيد درويش أصبح للموسيقى كيان إلى جانب الغناء فهناك مثلاً مونولوغ للقصبجي اكثر من نصف زمنه موسيقى تعزف وفيها توزيع وعند دخول التوزيع الموسيقي أصبح هناك حاجة الى قائد اوركسترا لتلبية الاحتياجات الجديدة. فالمايسترو هو المنظم لتوزيع الأدوار وهو الذي يحدد توقيت دخول كل عازف في اطار اللحن. وفي القرن ال19 كان المطرب هو نفسه الملحن وكان "الارتجال سيد التلحين في هذا العصر". أما القرن ال20 عندما ظهرت الاسطونات فتم تثبيت الالحان نهائياً على الاسطوانة والتسجيل لأنها صارت مسجلة. هل ما زال للموسيقى العربية الأصيلة جمهورها؟ - طبعاً ما زال هناك جمهور كبير للموسيقى العربية الأصيلة. هناك "موسيقى ترفيهية" كما اسميها، تجعل الناس تصفق وترقص وهي موجودة عند كل الشعوب، وهناك الموسيقى الجيدة. حتى في عصر بيتهوفن وموتسارت كان هناك موسيقيون يؤلفون اشياء سقطت مع التاريخ ولم يبق الا العظماء فالتاريخ لا يرحم. وما رأيك في ألحان زياد الرحباني الاخيرة لفيروز وهل تمثل اضافة أم تحريفاً لمدرسة الرحبانية؟ - لا ليست تحريفاً فكل فنان يضيف الى ما سبق وهو ما نسميه "التجديد"، فزياد بأسلوبه الخليط ما بين التراثي واطلاعه على الموسيقى الكلاسيكية الاوروبية والجاز الاميركاني عمل اسلوباً جديداً، وأغانيه لفيروز المبنية على الجاز بالنسبة إلينا تبدو غريبة لاننا تعودنا على نوع معين من الالحان لفيروز الى أن يثبت الزمن صحة هذا الخلط أو عدم صحته. ما رأيك في البرامج الجديدة لاكتشاف المواهب الغنائية مثل "ستار اكاديمي" و"سوبر ستار"؟ وهل يمكن أن تؤدي الى ازدهار موسيقي؟ - من الممكن أن تظهر اصوات جديدة لكن ام كلثوم وعبدالوهاب ليسا صوتين فقط بل "مؤسستان فنيتان" فمثلاً ام كلثوم مؤسسة فنية محورها أعظم الملحنين والشعراء مثل القصبجي وأحمد رامي ورياض السنباطي وزكريا أحمد، أما لو عادت اليوم فلمن تغني ومن يلحن بمستوى رياض السنباطي مثلاً. فلو عادت لجلست في البيت، لأنها لن ترضى ان تغني أي شيء. وعبدالوهاب كان من عمالقة الغناء والتلحين وتربى على أسس مختلفة. على الموشحات الدينية والأدوار. وبعد دراستي للتحليل الموسيقي والتاريخ الموسيقي وجدت أن عبدالوهاب الاكثر شمولاً وتطوراً للأساليب التلحينية والغناء، فهو في بدايته كمغن وملحن نهَج نهْج الشيخ ابو العلا محمد، وله اسلوب مختلف، فكل أغنية لها اسلوب مختلف عن اسلوب الاغنية السابقة. وهو كائن موسيقي خطير، فالمؤسسات الفنية محورها المغني والصوت لكن يدور في فلكها اعظم الملحنين واعظم شعراء عصرهم، ومن الممكن أن تخرّج هذه البرامج ملحنين جيدين واصواتاً جيدة لكن لن تخرج عظماء كهؤلاء لأن هذا الجيل تربى على اسس مختلفة اما هذا الجيل فعلى ماذا تربى "الفيديو كليب".