الاستحقاق! بالنسبة الى القارئ العربي غير اللبناني قد لا تعني هذه الكلمة شيئاً. أما في لبنان، فتعني الكثير. في الظروف العادية تستخدم الكلمة بصيغة الجمع استحقاقات لتأجيل كل المطالب الشعبية تحت حجة الاستحقاقات الكثيرة المقبلة ومن دون ان يقول أحد ما هي هذه الاستحقاقات. أما في ظرف "استثنائي" مثل الذي يعيشه لبنان حالياً، فالاستحقاق كناية ورمز لشيء واحد: الانتخابات المقبلة بعد شهور لاختيار رئيس الجمهورية الجديد. كل الناس في لبنان مشغولون اذاً ب"الاستحقاق". السياسيون والاعلاميون منهم على الأقل. كل هؤلاء باستثناء اثنين أقلّه في المعلن: رئيس الجمهورية اللبنانية الحالي العماد اميل لحود، والاعلامي مارسيل غانم نجم البرامج السياسية المحلية خصوصاً، في "المؤسسة اللبنانية للارسال". ظاهرياً يستنكف الاثنان عن الخوض في الموضوع. الأول لأسباب سياسية طبعاً وإن كان من الطبيعي ان تشغل المسألة باله ليلاً ونهاراً. والثاني لأسباب قد تكون مهنية في نهاية الأمر. فمارسيل غانم غير مستعجل عادة، ينتظر اللحظة المناسبة، يراقب الضجيج الخارجي بمتعة، يرصد ما يفعل الآخرون، ثم يقطف في نهاية الأمر. هل سيفعلها أيضاً هذه المرة فيتأخر ليجعل من دخوله معمعة الحدث حدثاً في حدّ ذاته؟ ام ان القطار فاته وقطفها قبله آخرون كما قد يقول بعضهم؟ "في الأساس لم نرد في LBC أن ندخل في برنامج "رئاسيات" بحت"، يقول مارسيل، ويتابع: "لنكن صريحين من دون أن نضحك على بعضنا بعضاً: أين الطرح الجدي للموضوع في كل ما يعرض؟". ومع هذا استقطبت هذه البرامج شريحة واسعة من الجمهور. نذكر على سبيل المثال برنامج "الاستحقاق" مع علي حمادة على شاشة المستقبل على رغم ان البرنامج لا يزال في حلقاته الأولى ومقدمه في تجربته التلفزيونية الأولى... "صحيح، لأن الجمهور اللبناني مسيّس بطبيعته"، يقول غانم، ويضيف: "أعتقد بأن الناس تتابع البرنامج، أما أنا فلم تتح لي فرصة مشاهدته إذ إما كنت مسافراً وإما كنت على الهواء مباشرة... علي حمادة زميل محترم اكن له كل محبة وتقدير. وعلى العكس مما قد يفهم من كلامي، أنا مع فتح النقاش ومع القول ان هناك انتخابات رئاسية، لكن السؤال: ما الجديد الذي سنقدمه؟". فتحت الطريق... وغابت؟ لو عدنا سنوات الى الوراء نجد ان LBC كانت في العهود الماضية اول من يفتح باب البرامج التلفزيونية التي تصنف تحت فئة "الاستحقاق". بداية مع الاعلامية ميّ كحالة ثم مع الصحافي جبران تويني. فهل نفهم من كلام مارسيل غانم انها ستغيب اليوم تاركة الساحة مفتوحة أمام محطات أخرى؟ "أبداً لم تغب LBC عن الاستحقاق الرئاسي"، يجيب غانم، ويتابع: "الاستحقاق موجود في نشرات الاخبار وفي "نهاركن سعيد" وغيره. كما نبدأ في أواسط هذا الشهر بث حلقات خاصة من برنامج "كلام الناس" متعلقة بالاستحقاق الرئاسي، لكن من منظور مختلف عن الذي عهدناه من قبل، بمعنى اننا لن نستضيف المرشحين كمرشحين، فهو موضوع استهلك في شكل كامل اذ شارك أقل مرشح رئاسي حتى الآن في اكثر من 20 مقابلة تلفزيونية واذاعية ومكتوبة، وبات لا بد من مقاربة الموضوع من زاوية مختلفة، إذ قد يطلع البرنامج على حياة المرشح الشخصية ويقوم بتحقيق عنه، كما من الممكن ان يدخل الى حسابه المصرفي أو يجري مناظرات بين المرشحين، الأمر الذي لا يقبلون به في لبنان، أضف الى ذلك ان مرشحين أساسيين من اصحاب الحظوظ الجدية يغيبون عن الاعلام ويرفضون اجراء المقابلات". فما الخيار الذي سيعتمده غانم اذاً؟ يجيب: "ما الذي يريده كل واحد منا من العهد، أي عهد؟ من هنا ستكون الأولوية للملفات: قانون الانتخاب، السياسة الاجتماعية، السياسة البيئية...". وهل ستحظى هذه الملفات بشعبية؟ يرد: "قد لا تكون هذه الحلقات شعبية، لكن في رأيي حان الوقت ليعتاد المشاهد على ايقاع جديد. العهد أي عهد، مجدد، ممدد او منتخب... أمامه هذه الملفات فتعالوا لنعالجها". تقنين... من يتابع مارسيل غانم في "كلام الناس" يلاحظ ابتعاده في الآونة الأخيرة عن السياسة المباشرة أو تقنينه للحلقات السياسية وتركيزه على المواضيع الاجتماعية والاقتصادية. ما سبب ذلك؟ هل هو "قرف" من الوضع السياسي الراهن، أم قناعة منه بأن رجال السياسة استهلكوا كل ما يقال ولم يعد لديهم جديد يقدمونه؟ "لا هذا ولا ذاك"، يجيب مارسيل، "وبكل بساطة إنني اطعّم السياسة بمواضيع اجتماعية. إذ عزمت على الموضوع عندما أصبح لدي فريق عمل باستطاعته ان ينزل الى الأرض ويجد مواد جيدة. وهكذا اعتمدت هذه الصيغة ومشيت فيها. وكما تلاحظون منذ ان بدأت هذه الحلقات قبل ما يقارب السنة ونصف السنة عاد الى البرنامج نَفَسُه وروحُه. أي منذ حلقات المخدرات والسيدا والفقر والشباب والهجرة والعيش المشترك وسوق العمل والمعوقين... وهي مواضيع يأخذ التحضير لها الكثير من الوقت. وفي رأيي كان لا بد من الولوج في مواضيع كهذه من وقت الى آخر للتحدث عن علاقة السياسة بالانسان. وقد لاقت هذه الحلقات ردود فعل ايجابية، ما اعطاني زخماً لمباشرة حلقات جديدة ذات طابع اجتماعي سياسي ديني، نحن في صدد التحضير لها حالياً". هل توقيت هذه الحلقات جاء موفقاً خصوصاً ان الاستحقاق الرئاسي حديث الساعة في لبنان وقد حجب كل الاهتمامات الأخرى وحتى الاقتصادية والاجتماعية منها؟ "بقدر ما يعنيني موضوع الاستحقاق، بقدر ما تعنيني هذه الملفات ايضاً، يقول مارسيل"، ويتابع: "قد يسأل كثيرون لماذا يبتعد مارسيل غانم عن السياسة، والجواب أنا لا ابتعد إنما انوع في مواضيعي تمهيداً لصيغتين جديدتين لمشاريع برامج أفصح عنهما هنا للمرة الأولى، حتى أنني لم اناقش الموضوع مع الادارة بعد". جديد... جديد ماذا عن المرحلة الجديدة؟ "دخلنا مع LBC في زمن اسمه "تلفزيون الواقع". زمن لم يقتصر على البرامج الفنية وانما تعداها ليشمل ميادين متعددة. وبذلك دخلنا جميعاً في المحطة في معمعة تلفزيون الواقع، كل واحد ضمن الاطار الذي يخدم عمله. وهنا اذكر حلقة "جيل بصوتين" وحلقة "السنيورة والعائلة الفقيرة" وحلقة "المعوقين"... في هذه الحلقات دخلنا صلب حياة الناس وسنذهب أبعد في ما بعد". ماذا عن البرنامجين؟ "أعود واكرر لم أدرس هذه المشاريع مع الادارة بعد، إذ أنها المرة الأولى التي أفصح فيها عنهما. البرنامج الأول صيغة متطورة جداً وسريعة لبرنامج سياسي قد يكون "كلام الناس". والبرنامج الثاني برنامج ضخم يدخل في صلب حياة الناس اليومية في لبنان والعالم العربي في شكل يومي وفي مكان مفتوح. وهنا لا بد ان اذكر فريق عمل "كلام الناس" وهو مشكل من العناصر الشباب الذين يمدونني كل يوم بافكار جديدة ويشتغلون بمحبة، مدخلين نَفَساً جديداً على البرنامج. وهنا لا يمكنني ان انكر مثلاً جهد مازن لحام ومالك مكتبي في حلقة المعوقين اذ أعطيتهم الحرية الكاملة في الريبورتاجات التي أعدوها". ويقف غانم عند تجربة التعليم في الجامعة ويقول: "ساعدتني هذه التجربة كثيراً على الصعيد الشخصي، إذ علمتني الكثير ومدتني خبرة وجعلتني أعترف بالآخر واكتشفه، كما أمنت لي فرصة التعرف الى جو شبابي كنت غريباً عنه. وأنا سعيد جداً لأن برنامجي يلاقي استحساناً في صفوف الشباب، إذ انهم يحتاجون الى منبر جريء يوصلون من خلاله افكارهم. وهنا لا انكر معاكسة الظروف لنا في محطات معينة، إذ لا بد من طرح السؤال في سقف عال، لكن مع هذا يشعر الشاب أن في امكانه أن يجد في "كلام الناس فسحة يعبر فيها عن رأيه". ويختتم مارسيل كلامه قائلا: "نحن وسيلة تعبير كلنا امل في أن نكون وسيلة تغيير والا فلنستقل من دورنا. وها انا اليوم اراهن على التراكمات في الاعلام وعلى التراكمات في المجتمع المدني. إذ لا يمكنك ان تقفي جامدة والعاصفة تنتزع كل ما حولك ولا بد من التحرك لنقول للعالم إننا بلد ديموقراطي. ديموقراطية كلنا أمل في تعزيزها وتطويرها من خلال مبدأ تداول السلطة".