لم يكن مهرجان شارع الحمرا الذي انطلق ليل الاثنين في بيروت، المحاولة الوحيدة لإعادة الحياة الى الشارع الذي كان باشر ازدهاره في ستينات القرن الفائت وسبعيناته، ثم أصيب في السنوات الأخيرة من حرب لبنان وتلك التي اعقبتها، بما أصاب معظم علامات زمن الزهو: شيخوخة مبكرة راحت تبرز وتتضح كلما قام شارع "شاب" بجواره يؤوي شبيبة المدينة الحائرين بأرواحهم. أما سكان شارع الحمرا فهم يتناقصون ومتوسطاتهم العمرية تواصل ارتفاعها، وهم متمسكون بزمنهم وبتلك الياقات. مهرجان الحمرا انطلق بعدما أنجزت عملية رصف الشارع وتوسيع ارصفته. ولعل قوة الدفع التي يعتمد عليها الحمرا للانطلاق مجدداً، هي ما تبقّى من تلك الطاقة التي شحنته بها حقبة ازدهاره الأولى. وفي برنامج المهرجان فاعليات كثيرة تمتّ الى ذلك الزمن بأكثر من علاقة. ندوة شعرية في مقهى الويمبي يشارك فيها انسي الحاج وطلال حيدر ومحمد العبدالله، إضافة الى معرض صور فوتوغرافية عن ذاكرة بيروت، وندوة "تضم اقطاب ذاكرة بيروت القديمة"، وحفل موسيقي للفنان زياد الرحباني وفرقته. لكن المهرجان يضم أيضاً نشاطات تجارية متنوعة، إذ أُقفل الشارع امام السيارات وافترشت مساحاته محترفات ومكتبات ومقاه ٍجاءت للمشاركة في الفاعليات، إلى جانب مسارح مخصصة لفرق موسيقية محلية وأجنبية. ليل الافتتاح تقاطر اللبنانيون والسياح الى الشارع الجريح، حاملين تعاطفاً يشبه الى حد كبير تلك المشاعر التي نكنّها لأنفسنا عندما نهرم. اذ ان علامات هرم الشارع ماثلة فيه لا تخطئها العين. فما جعل شارع الحمرا صاحب سمعة عالمية في زمن زهوه، تساقط وتلاشى، ولم يبقَ من المقاهي تلك الا الويمبي، و"الهورس شو" حل محله هورس شو مختلف. مقهى ال"مودكا" حل محله متجر لبيع الألبسة المخفضة الأسعار، وال"كافيه دو باري" مصيره غامض، وتلك العتمة الحالكة التي تسود قاعته الداخلية تتضاعف قوتها يوماً بعد يوم. اما صالات السينما فما بقي منها على قيد الحياة يستقبل رواداً من الهوامش، ويعرض افلاماً لا ترضي كهول الشارع وأهله المتناقصين. الاضافة الوحيدة ربما كانت "ستار بكس كافيه" الذي لا يكترث بزمن ولا برواد، وهو لا ينتمي الى كثير مما ينسب الى الشارع، لذلك فإن عدداً من رواد الحمرا ومن اهلها عثروا على اسمه في لائحة لمقاطعة البضائع الأميركية لا تفارق جيوبهم. "لم يبقَ الحمرا كما كان"، عبارة تسمعها دائماً. علاماته الكثيرة تتناقص واحدة بعد الأخرى. والمشكلة التي تواجه الشارع اليوم اثناء محاولته النهوض لا تتمثل في ضعف الزمن الذي انطلق فيه الشارع فحسب، وانما ايضاً في قوة الشوارع الرديفة التي ظهرت اثناء سنوات ضعفه. اذ كيف يمكن الحمرا العجوز والضعيف ان يواجه الوسط التجاري النزق والقوي، أو شارع مونو الشاب النابض؟ ولكن، يبدو ان منظمي المهرجان حاولوا الالتفاف على شيخوخة شارعهم بأن دعوا الى مهرجانهم نجوم برنامج "سوبر ستار"، ودعوا ايضاً رئيس الحكومة رفيق الحريري كي يفتتحه.