وجد بعض الصحافة العربية في تصريحات البطريرك الماروني بشارة الراعي، خلال زيارة لباريس، فرصة لتشويه صورة المسيحيين العرب، على رغم أن بكركي التي تحدث باسمها بشارة الراعي كانت مرجعية وطنية تجاوزت المرجعيات الدستورية في لبنان التي تماهت مع النفوذ السوري على مدى ثلاثة عقود. وبكركي أصبحت مؤسسة سياسية رابعة، ورفضت خلال العقدين الماضيين التصرف بمنطق الأقلية الخائفة، وكان لزعيمها في ذلك الوقت، البطريرك نصر الله صفير، دور وطني مشهود جعله يستحق بجدارة لقب «رجل الأعوام الأخيرة» في لبنان. حكاية البطريرك الماروني نصر الله صفير سردها الكاتب اللبناني أنطوان سعد في كتاب ممتع بعنوان «السادس والسبعون»، صدر في ثلاثة أجزاء، وتناول الفترة من عام 1986 حتى 2005. الكتاب أشبه بيوميات مار نصرالله صفير، وهو بحسب وصف صفير ذاته في مقدمة الجزء الثالث «ليس إلا سرد للحقائق التي عرفها البلد». الكتاب المثير مر على الصحافة اللبنانية مرور الكرام ولم يأخذ حقه من الترويج، على رغم انه تتبع بدقة الأحداث التي شهدها لبنان خلال سطوة النفوذ السوري، وفي تقديري أن المهتم بالشأنين اللبناني والسوري سيخسر كثيراً اذا لم يقرأ هذا الكتاب، ويعتمده كمرجع فريد لأحداث لبنان والمنطقة. في الجزء الثالث من الكتاب، يروي أنطوان سعد قصة الزيارة التي كان مقرراً أن يقوم بها نصرالله صفير الى سورية لموافاة زيارة البابا دمشق عام 2001، وكيف سعت سورية من خلال الموالين لها في لبنان الى الضغط على صفير للقيام بالزيارة، الى درجة أن بعض حلفائها أوهم نفسه والآخرين بأن الزيارة ستخلق مناخاً جديداً للعلاقة مع دمشق. وتبيّن أن وعود الموالين مجرد أمنيات، فسورية اشترطت على البطريرك صفير عدم إصدار بيان قبل الزيارة وبعدها، وقالت له عبر الوسيط: «في حال التمسك بهذه الفكرة، من الضروري أن تُطلع دمشق على البيان قبل إصداره». لكن البطريرك أسقط الفكرة، ورفض الوصاية، في وقت كان أكبر السياسيين في لبنان لا يجرؤ على طلب موعد مع ضابط سوري برتبة صغيرة، فضلاً عن أن يرفض زيارة يطلبها الرئيس بشار الأسد. كتاب «السادس والسبعون» قدّم تفاصيل مهمة عن الدور المناهض للهيمنة السورية الذي تصدى له نصر الله صفير، وهو موقف مختلف تماماً عن الصورة التي رسمتها تصريحات بشارة الراعي.