عنوان المسلسل الانكليزي Upstairs, Downstais الذي يمكن ترجمته ب"الناس اللي فوق والناس اللي تحت" يمكن تعميم مبادئه وأفكاره على الحياة بكل اشكالها وألوانها. وفي مصر وتحديداً في فصل الصيف نجد هذه العبارة الطبقية الواقعية وقد اعلنت عن نفسها إعلاناً واضحاً لكل من يهوى مراقبة أحوال المراهقين والشباب. تأتي أشهر العطلة الصيفية الطويلة حاملة معها الكثير من الفرص والأفكار والعراقيل ايضاً، فهناك من الشبان والشابات من يحلم بالعمل لمدة شهرين او ثلاثة، لاكتساب خبرة، وقضاء الوقت أو أملاً في توفير بعض المال. وفي القاهرة تفضح عطلة الصيف الفروق الطبقية والثقافية بين المراهقين والشباب ممن اختاروا قضاء الصيف في "العمل". هشام 20 عاماً يعمل في الصيف مع "بابي" في مصانعه في مدينة العاشر من رمضان، يقول إنه يطبق ما يدرسه في كلية الهندسة في المصانع التي ستؤول إدارتها وملكيتها اليه بعد عمر طويل. وعلى رغم أن هشام يؤكد أنه يعمل بكد وجد يستحق عليهما الجنيهات الالفين التي يتقاضاها من والده آخر كل شهر، لكن "بابي" له رأي آخر، فهشام كثير "التزويغ"، أي انه يتغيب عن العمل بحجج واهية. ويؤكد "بابي" انه "قفش" هشام غير مرة في نادي هليوبوليس في مواعيد العمل الرسمية. هشام محظوظ لأسباب عدة منها على سبيل المثال لا الحصر أن فرصة عمل الصيف مضمونة، وان فرصة انضمامه الى قوائم العاطلين بعد تخرجه معدومة، وان فرصة زيادة مصروفه الشهري بمبلغ الفي جنيه خلال الصيف مؤكدة. وهناك محظوظون آخرون غيره ولكن بأسلوب مختلف، فالجامعات الخاصة وعلى رأسها الجامعة الاميركية في القاهرة عادة ما توفر لطلابها فرص تدريب في الشركات الخاصة والمتعددة الجنسية في عطلة الصيف، وان كانت في مقابل نظير مادي رمزي. سارة محمد 21 عاماً تتدرب للعام الثاني على التوالي في مكتب محاسبة كبير، تقول: "الجامعة وفرت لي التدريب في مجال تخصصي، ومثل هذه الفرص كانت من المميزات التي شجعتني وأقنعت والدي للموافقة على تسديد ما يزيد على 21 ألف جنيه سنوياً للجامعة، لا سيما ان الجامعة توفر أحياناً فرص توظيف بعد التخرج". فرص اخرى من نوع آخر يقدمها الاهل للابناء الراغبين أو حتى المضطرين للعمل في عطلة الصيف. في منطقة ميدان "الجامع" التجارية في حي مصر الجديدة، تجربة اجتماعية انسانية تتكرر في كل صيف، أمير وابن عمه رامي كلاهما في ال20 من العمر، وهما يدرسان في كليتي الآداب والتجارة، لكنها دراسة، كما يؤكدان، "صورية" بمعنى انهما يسعيان للحصول على الورقة التي تثبت بعد اربع سنوات انهما يحملان لقب "خريج جامعي". يقولان في نفس واحد: "مستقبلنا في هذا المحل". وهذا واضح، فالمحل الذي يملكه والدا أمير ورامي جواهرجي من أرقى محلات القاهرة، ومن الطبيعي ان "يشرب" أمير ورامي "الصنعة" جنباً الى جنب مع الشهادة "الصورية". وأمام المحل بالضبط أحد باعة الفاكهة المتجولين والمستقرين في هذا المكان منذ سنوات، وينضم اليه في فصل الصيف ابنه احمد الطالب في احد المعاهد الفنية، يقول أحمد: "مسألة مساعدة والدي في العمل ليست اختيارية بالنسبة إلي، فمنذ كنت في السابعة من عمري وأنا أساهم في شكل أو في آخر مع ابي في العمل". ومن المشاهد اللافتة في شهري تموز يوليو وأغسطس آب من كل عام تنتشر في انحاء القاهرة العربات التي يدفعها بائعو التين الشوكي الصبّار في أنحاء القاهرة. يقشرون الثمار ذات الاشواك العاتية في ثوان، ثم يمضون ساعات في محاولات مضنية لانتزاع الاشواك المغروسة في كفوفهم. لكن اسامة المعروف ب"الافندي" يختلف عن اولئك شكلاً وليس موضوعاً، فهو يبيع ثمرات الصبّار المرصوصة بعناية على شكل هرم في صينية معدنية تبرق من فرط نظافتها. ويرتدي الافندي قفازات بلاستيكية سميكة تقيه الأشواك. ليس هذا فقط، بل انه يقدم الصبار لزبائنه في أطباق وشوك بلاستيكية، ويغلف ال"تيك أواي" في ورق معدني. كل هذا مصحوباً بموسيقى هادئة تنبعث من جهاز تسجيل موضوع بعناية ومغلف هو الآخر ببلاستيك شفاف لحمايته من أشواك الصبار ورطوبة النيل. وترفع تلك المميزات من ثمن ثمرة التين من 25 قرشاً الى 75 قرشاً، يدفعها رواد كورنيش حي الزمالك الراقي عن طيب خاطر. طيب الخاطر هو ايضاً ما يساعد كلاً من شيماء وحنان الطالبتين في المرحلة الثانوية على تكبد عناء التجول جيئة وذهاباً طوال ساعات النهار على خط مترو الانفاق بين المرج وحلوان. تحمل كل منهما حقيبة بلاستيكية مملوءة باكسسوارات الشعر، وأدوات التجميل الرخيصة، والنظارات الشمسية "المضروبة" التي لا ماركة لها تجوبان عربات المترو المخصصة للسيدات تبيعان بضاعتهما ولا يخلو الأمر من مشقة التحايل على الشرطة التي تمنع هذا النوع من التجارة في المواصلات العامة. أما وفاء 19 عاماً فتعمل خادمة في الصيف وطالبة في الشتاء، وهي ليست ناقمة على حالها بل تقول: "اعتدت هذا النظام منذ كنت طفلة صغيرة. فوالدتي تتعامل مع مكتب تخديم في القاهرة، وما إن أنتهي من الامتحانات حتى تنهال علينا العروض". تتقاضى وفاء ما لا يقل عن 500 جنيه شهرياً، إضافة الى الملابس والطعام الجيد الذي لا تذوقه إلا في بيوت مخدوميها، وتحتفظ والدة وفاء بنصف الراتب وتشتري بالنصف الآخر مستلزمات "جهاز" وفاء التي تقول بفخر: "لدي حالياً طقم صحون صيني وأواني الطهي، وملابس كثيرة، إضافة الى غسالة اوتوماتيكية نسدد ثمنها بالتقسيط". وتعدد وفاء بفخر الأماكن التي تتردد عليها في الصيف بحكم عملها، فهي تعرف قرية مارينا مصيف الاثرياء عن ظهر قلب، كما سافرت الى شرم الشيخ والغردقة وأقامت في أفخر الفنادق التي لا يحلم بأن يطأها "أتخن تخين" في بلدتهم الصغيرة في محافظة كفر الشيخ.