من الآن حتى الثاني من تشرين الثاني نوفمبر، يوم الانتخابات الرئاسية في الولاياتالمتحدة، سيكون المرشح الديموقراطي جون كيري قد خلع"ورقة التوت"أمام اسرائيل واللوبي الصهيوني أملاً في دعمهما. اما منافسه الجمهوري جورج دبليو بوش فقد فعل ذلك منذ وقت. الرئيس الحالي قدم كل البراهين على هوسه باسرائيل، ووصل أخيراً الى مرحلة قرارات سرية يستحي أي من الناطقين باسمه ان يبوح بها أو يؤكدها. لذا ترك الأمر للتسريبات كي تعلن ان واشنطن أبلغت ارييل شارون موافقتها على توسيع المستوطنات. في أي حال، ليس هذا القرار السري مفاجئاً ولا مستغرباً، أما عدم تأكيده علناً ورسمياً فيعزى الى سبب غاية في البساطة، هو أن بوش وادارته يعرفان انه واحد من أكثر قراراته قذارة. ما هم بعد الآن ما يمكن ان يثرثره أركان الادارة، من كوندوليزا رايس الى كولن باول وسواهما، فالسياسة الخارجية الراهنة تتركز على"شراء أصوات"للرئيس المرشح. كل يوم نقرأ أو نسمع أن ثمة مراجعة لهذه السياسة. وكل يوم يتبين ان صانعي القرارات يأخذون بأسوأ الاستخلاصات من تلك المراجعة. هذا موسم انتخابات، فلا أحد يراهن على شيء جدي. هناك صورة سيئة للولايات المتحدة ولا يبدو ان المعنيين بتحسينها أو تجميلها يهتمون حقاً بما هو جوهري نافذ. وهناك صورة سيئة لأحوال العالم، بسبب أخطاء الولاياتالمتحدة وتهوراتها، ولم يبد ان النقاش الانتخابي مؤهل لانتاج أفكار عملية لتغيير هذه الصورة. من الواضح أن هناك انقساماً حاداً في الرأي العام الأميركي، لكن الواضح أيضاً ان لا السياسيين ولا الإعلام ولا حتى مراكز البحث مستعدون لمواجهة حقائق هذا الانقسام. اللافت، فقط، هو أن التخبط يتمحور على الشرق الأوسط. اللافت، أكثر، هو التنافس والمزايدة لاسترضاء مجرمي الحرب في اسرائيل ودعم الارهاب الذي يمارسونه. من نتائج"المراجعة"ان"الدولة الفلسطينية"سيصار الى تطييرها من برنامج بوش المرشح الذي سيطرح خلال مؤتمر الحزب الجمهوري الاسبوع المقبل. قبل أيام فقط كانت المستشارة رايس تمنن العرب والفلسطينيين بهذه"الدولة"التي لم يعترف بوجوب وجودها سوى رئيسها الملهم، لكنها تناست ان أبرز مساعديها اليوت ابرامز عمل في الشهور الأخيرة على ان تسحب هذه"الدولة"من التداول الديبلوماسي، تنفيذاً لوعد قطعه لعصابة شارون. وهكذا يمضي"الستريبتيز"الديبلوماسي قطعة قطعة، فيما يوعز الى جوقات المثرثرين بأن يتحدثوا عن"خريطة الطريق"وغيرها من الأكاذيب والأوهام. أما جون كيري فقد أراح نفسه سلفاً من"الدولة"وسيرتها، فلا هي فكرته ولا هو تعهدها. هذا"الديموقراطي"الذي نذر نفسه لإعادة القيم الى السياسة الأميركية مصاب منذ الآن بقصر نظر مخيف. ففي خريطة الشرق الأوسط لا يرى غير اسرائيل وأمنها ومشاريعها وتحريضاتها خصوصاً لضرب ايران ومواصلة السياسات العشوائية في العراق. الأهم أنه يبزّ كل الحاقدين المعروفين في اعلان العداء والكره للمملكة العربية السعودية، فهو لا يتكلم عنها إلا بلهجة موتورة. لذا حشا مقالة نشرتها مجلة"فورورد"بكل ما وقعت عليه يده من ترهات، مجتراً للمرة الألف فكرته عن انهاء اعتماد أميركا على النفط الشرق الأوسطي، خصوصاً السعودي. من يقرأها يعتقد ان السعودية تستعمر الولاياتالمتحدة وتفرض عليها نفطها كجزية وضريبة. إذا كان بوش تسلق سلم السخافة والتطرف درجة درجة، فإن كيري بدأ من أعلى السلم وبكثير من الصبيانية التي سيحسده عليها منافسه، خصوصاً إذا كانت ستجلب له أصوات اليهود. ويبدو كيري كأنه يغازل عصابة اليمين الجديد في إدارة بوش بأنها ستجد فيه أباً صالحاً إذا أراد"دبليو"الاستغناء عن خدماتها في ولايته الثانية. وقد كتب المرشح الديموقراطي ان أميركا في عهده"لن تقدم على أي عمل يهدد العلاقة الخاصة مع اسرائيل، ولن أمارس ضغطاً على اسرائيل لتقدم تنازلات يمكن أن تهدد أمنها"... عدا أن هذا يعادل اعلان حرب على العرب والفلسطينيين، لئلا نقول على المسلمين أيضاً، فإنه يشي بأن موسم الابتزاز الاسرائيلي للمرشحين يعطي ثماره النجسة. فالاسرائيليون لن يؤيدوا من يخضع لشروطهم فحسب وانما يعملون أيضاً لإبقاء عصابة اليمين الجديد في موقعها الذي احتلته في عهد بوش.